The Present.. يأسر الحواس ويستفز المشاعر

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

هي 24 دقيقة، كفيلة بأن تأسر كافة حواسك، خلالها لا تتوقف المخرجة فرح نابلسي عن استفزاز مشاعرك، وتحريك الدماء في عروق جسدك، وخلالها تتقن فرح نابلسي كيف تحرمك من القدرة على حبس الدموع في عينيك، لتفتح قلبك لتلك الصغيرة ياسمين، ولوالدها يوسف، حيث تعيش معهما في فيلم «الهدية» أو (The Present) لحظات معاناة، خلال محاولتهما اجتياز حاجز حديدي، يتحكم فيه عدد من الجنود أكثرهم عدداً هو ثلاثة بينما أقلهم واحد فقط، قادر على التحكم في مصير الناس التي تسعى للمرور عبر الحاجز.


هو فيلم قصير، لا تكاد تبدأ مشاهده حتى تنتهي، اسمه بالعربية «الهدية» بينما في الإنجليزية (The Present) أي «الحاضر»، ولكل واحد منهما دلالاته الخاصة، فـ«الهدية» مقصود بها ما يشتريه «يوسف» لزوجته في عيد زواجهما، بينما «الحاضر» يقصد بها معاينة الواقع الفلسطيني، والمعاناة التي يمر بها أبناء هذا الشعب يومياً على حواجز الاحتلال، قد تختلف مسميات هذا الفيلم الذي رشح لأوسكار هذا العام ضمن فئة أفضل فيلم قصير، ولكنها المشاهد تبقى كما هي، تفيض بالمعاناة، وتعكس ما يتعرض له الناس في الأراضي الفلسطينية يومياً.

أحداثه تبدأ عندما يقرر «يوسف» (الممثل صالح بكري) الذي يعيش في إحدى المناطق الفلسطينية، أن يقدم لزوجته «هدية» عبارة عن ثلاجة جديدة، يخرج من بيته صباحاً بصحبة طفلته «ياسمين» (الطفلة مريم كنغ)، متحاملاً على أوجاع ظهره، ولأجل ذلك يضطر إلى المرور بنقطة تفتيش وضعها جنود الاحتلال الإسرائيلي بالقرب من بيت يوسف، وقد مضيه نحو السوق، يجبر يوسف على دخول غرفة حديدية، حيث يتم احتجازه هناك لساعات طوال، بينما طفلته تنتظره خارج الشبك، حتى يحين موعد الإفراج عنه، ليسارع يوسف بالذهاب إلى السوق أملاً بشراء الهدية التي وعد بها زوجته، إلى جانب بعض المستلزمات الأخرى، لم يتمكن يوسف من العودة مبكراً إلى بيته، فما كاد يصل إلى الحاجز، حتى أعلن الجنود إغلاقه، لتبدأ رحلة الاستفزاز والمعاناة، حيث يطلب منه الجندي تمرير الثلاجة من بوابة إلكترونية مخصصة للكشف عن المعادن، وهو ما يفشل فيه يوسف، الذي ينفجر غضباً في وجه الجنود، واضعاً روحه على كفه، لتستغل طفلته الموقف وتسعى إلى تجاوز الحاجز مع الثلاجة عبر الطريق المخصص للإسرائيلي، في مشهد قد تضطر فيه إلى دفع حياتها ثمناً.


تجربة أولى

في الفيلم، تبدو فرح نابلسي، في أول تجربة إخراجية لها شديدة الواقعية، لم تنحز فيه إلى أي طرف، وسعت فيه لمنح الحرية لعدستها لالتقاط المشاهد، التي لم تحاول تغليفها بـ«ماكياج» المونتاج، متوسدة في ذلك مجموعة رموز سريعة ومباشرة تمتاز بذكائها، تضع من خلالها المعاناة الفلسطينية على الشاشة، وفي السياق تقدم لنا مقارنة بين ما يتعرض له الفلسطيني، والمعاملة الخاصة التي يحظى بها المستوطنون، ما يزيد من حدة الألم ووجع المعاناة، التي يعيشها الفلسطيني يومياً في رحلته سواء للعمل أو الدراسة أو زيارة الأسواق. تقدم لنا فرح نابلسي تلك المقارنة عبر مشهد بسيط يحمل بين ثناياه نظرة عميقة للواقع.

لم يكن فيلم «الهدية» أو «الحاضر» عين فرح نابلسي فقط، وإنما هو عين كل فلسطيني، تعود على المرور بتفاصيل هذه الرحلة، واجتياز بوابة حديدية تقف بينه وبين لقمة عيشه، ولعل أكثر مشاهده جمالية، تكمن في تلك اللحظة التي ينفجر فيها «يوسف» غضباً، متجاهلاً ما يحيط به من بنادق، مطلقاً العنان لصوته، متحرراً من آلام ظهره ووجعه الداخلي، وهو الذي لم يألف وجه الجنود رغم رؤيته لهم يومياً. في هذا المشهد تؤسس فرح لفيلم مؤثر للغاية، يمتاز بدقه هدفه، وقلة حواراته، وعمق رسالته، كما يمتاز بقدرته على التأسيس لحكاية طويلة، تستعرض في ثناياها، مشاهد الحواجز الإسرائيلية التي تفتت مفاصل الأراضي الفلسطينية، وتؤثر كثيراً في النسيج المجتمعي، ذلك ما يمكن أن تتلمسه في المشهد الذي تستعرض فيه جموع الناس التي تحتشد بين سياجين وتحاول اجتياز الحاجز.

Email