News of The World.. رحلة لاستكشاف الأمل

ت + ت - الحجم الطبيعي

«رحلة لاستكشاف الأمل، والتخلص من بقايا الماضي، وما يحمله دفتر الذكريات من آلام، سكنت في الروح طويلاً»، تلك الرحلة يمضي فيها الكابتن جيفرسون كايل كيد وبرفقته الطفلة جوهانا التي يعثر عليها صدفة، خلال سلوكه لإحدى الطرق نحو إحدى القرى الأمريكية. كلاهما يحمل في روحه جروحاً غائرة، وكلاهما فقد عزيزاً في لحظة ما، ولم يكن بيده حيلة، وكلاهما يسعى جاهداً للتخلص من الألم، فيما اللغة وقفت حاجزاً بينهما، بينما مدت المشاعر الإنسانية نفسها جسراً بينهما. هكذا يمكن وصف فيلم «أخبار العالم» (News of The World) للمخرج بول غرينغراس، الذي يدخل فيه توم هانكس دروب أفلام «الويسترن».


يخدعنا «أخبار العالم» بعنوانه، قد تظن في البداية بأنه يحمل الكثير من الإثارة، كونه يأخذنا إلى الوراء كثيراً نحو عام 1870، يتخذ من الغرب الأمريكي ساحة لأحداثه، وهو أشبه بأفلام الطريق، فلا يكاد يحط توم هانكس ورفيقته الصغيرة في مكان ما، حتى يعودا لمواصلة رحلتهما المحفوفة بالمخاطر والتي تبدو أشبه بالبحث عن الخلاص، وتنقية الروح من آلامها، وخلالها نكتشف تدريجياً معنى الألم، وبأنها نوع من التطهير للذات عن آثام ارتكبها جيفرسون كيد، خلال الحرب الأهلية الأمريكية، عندما كان أحد ضباط الجنوب.

هو فيلم «مهادن وحذر للغاية والأهم أنه»صادق«، فيه يطوف الكابتن جيفرسون كايل كيد القرى الأمريكية، حييث يقرأ على مسامع الناس الأخبار ويسرد لهم القصص مقابل سنتات معدودة، ولكنه في المقابل، يبقي حكايته»سراً بينه وبين نفسه«، لا يسمعها لأحد، وهو الذي ترك مدينته وزوجته المريضة التي أصبحت ضحية لمرض الكوليرا، ولم يفعل شيئاً لها، سوى الابتعاد عنها والانشغال في قراءة الأخبار، ونجده يردد القول: «كلنا نتألم... أنا هنا لأقدم لكم كل الأخبار، من جميع أنحاء عالمنا العظيم... ربما الليلة فقط يمكننا الهروب من مشكلاتنا والاستماع إلى التغييرات العظيمة التي تحدث هناك».

هجمات البيض

يتلقي الكابتن جيفرسون كيد الطفلة»جوهانا«الناجية من مذبحة القبائل الهندية والمهاجرين البيض»الغزاة«، وندرك إنها من أصول ألمانية، تفقد والديها، وتعيش في كنف قبيلة هندية، وتتقن لغتهم، يحاول جيفرسون كيد إيصالها إلى خالتها وزوجها التي تسكن في إحدى القرى البعيدة، ولكن»محاولاته الطيبة«لم تشفع له عند الفتاة التي ترى فيه»عدواً«وتنظر إليه بعيون الفتاة التي تعودت هجمات البيض على القبيلة التي رعتها، ولاستمالتها يبدأ جيفرسون بسرد حكايته.، ويبدأ الاثنان رحلة مليئة بالصعوبات والمخاطر، تنمو في أثنائها العلاقة بين الغريبين، رغم حاجز اللغة، يوحدهما المصير المشترك، ونجد رحلة إيصال الطفلة إلى بر الأمان هي رحلة علاج لجرح الكابتن، الذي يتصالح مع نفسه أخيراً، ويذهب إلى قبر زوجته.

في الفيلم الذي يعرض على»نتفليكس«يشكل كيد (توم هانكس) وجوهانا (هيلينا زينجل) ثنائياً رائعاً، يحملان معاً حكاية قادرة على هز أوتار القلب، التي يشدها المخرج بول غرينغراس، تارة ويرخيها تارة أخرى، لا سيما في ذلك المشهد الذي يخوض فيه كيد صراعاً مع ثلاثة رجال يريدون الاستيلاء على الفتاة، التي يقول عنها في بداية الفيلم:»الفتاة الصغيرة ضائعة.. يجب أن تكون في المنزل«، وفي مشهد العاصفة الرملية التي يظن فيها كيد إنه فقد الفتاة. ذلك المشهد بدا مؤثراً يعيد إلى ذاكرتنا مشهد ضياع»ويلسون«في فيلم»منبوذ«(Cast A Way) لتوم هانكس، حيث يعيش وحيداً على جزيرة نائية بعد سقوط طائرته.

»أخبار العالم«ينتمي إلى أفلام»الويسترن«ولكنه يخيب أمال عشاق هذه النوعية من الأفلام كونه يتمرد على تقاليدها، وفيه تركيز كبير على جوهر الرابطة التي تنشأ بين كيد وجوهانا، فيه تشعر بأن»الأمل هو ظل طوال الوقت خيطاً ثابتاً«، وفيه تأكيد على أن»القادم دائماً ما يكون أجمل)، يلفتك فيه توم هانكس، ومدى اللطف الذي يتمتع به، ولعل ذلك نابع من طبيعة توم هانكس نفسه، والذي لم يسبق لنا أن شهدناه متلبساً لأي من الشخصيات الشريرة، الأمر الذي يجعله على الدوام قريباً من قلوبنا.

Email