حكاية شرقية بصناعة أمريكية

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

هي حكاية في واقعها تبكي العيون، تفاصيلها تفتح أعيننا على زمن ليس ببعيد عنا، تستعرض ما آلت إليه بلادنا بعد «استيطان» أصحاب الرايات السود، لوهلة من الزمن، في بعض مفاصلها، فعاثوا فيها فساداً، حتى أضحت بعض البلدان خراباً. تلك صورة عامة، يمكن اقتصاصها، خلال متابعة أحداث فيلم «الموصل»، للمخرج الأمريكي ماثيو كارناهان، المعروض على منصة نتفليكس، التي تولت إنتاجه.

حكاية فيلم «الموصل»، عامرة بالتفاصيل، رغم أنها تركز على 3 ساعات فقط، عاشها أفراد من فرقة التدخل السريع (سوات)، في محافظة نينوى، التي خاضت صراعاً مع تنظيم داعش، الذي سيطر على مدينة الموصل العراقية، نحو 3 سنوات (2014 وحتى 2017)، حيث تسعى الفرقة إلى تنفيذ مهمة ما، تبقى طوال الوقت غامضة، ليبدأ هذا الغلاف بالتلاشي، مع اقتراب الفيلم من نهايته، حيث تبدأ ملامح المهمة بالتكشف أمام المشاهد، ومعها تتلاشى اللمسة الهوليوودية، التي طالما غلفت أفلام الخيال العلمي، ولا ضير في ذلك، إن علمنا أن الأخوين روسو، هما اللذان يقفان وراء إنتاج هذا العمل، وهما صاحبا خبرة عريضة في إنتاج أفلام «السوبر هيروز»، وعلى رأسها «كابتن أمريكا: جندي الشتاء»، و«كابتن أمريكا: حرب أهلية»، و«منتقمون: حرب لا نهائية»، وأيضاً «منتقمون: نهاية اللعبة»، والذي عرض العام الماضي، وحقق إيرادات خيالية، تجاوزت حاجز الملياري دولار على شباك التذاكر العالمي.

فيلم «الموصل»، يستند في نصه الأساسي على مقال «الحرب اليائسة لتدمير تنظيم الدولة»، الذي نشرته صحيفة نيويوركر الأمريكية في 2017، حيث أفلح كاتب المقال في تقديم الحكاية، التي لم تمضِ في هذا الفيلم على «سكة الوثائقي»، وإنما جاءت في صيغة درامية متكاملة في أركانها، تبدو للوهلة الأولى أنها فصلت وفق «مقاييس هوليوود»، ولكن ملامحها الشرقية تغلبت على ذلك.

«الموصل» فيلم هجين، فهو إنتاج أمريكي بأداء عربي، وبلهجة عراقية، ورغم كونه إنتاجاً أمريكياً، إلا أنه تحرر تماماً من الصبغة الهوليوودية، فهو لا ينتقد الحرب ومجرياتها، ولا يقدم صورة مقدسة عن الجندي الأمريكي، ولا يعرج أبداً نحو هذه المناطق، إلا من حيث مروره بمنطقة الحرب، مستعرضاً ما أحدثه تنظيم داعش فيها من خراب، وما خلفه من مآسٍ ستظل عالقة في ذاكرة أهل الموصل، مكتفياً بعرض البطولات التي قدمها أفراد «سوات»، خلال مواجهتهم للتنظيم، ومحاولاتهم الوصول إلى هدفهم الرئيس، وهو «تخليص عائلاتهم من بين أنياب داعش»، ذلك يتجلى في رمزية الحوارات، وبعض المشاهد «المؤثرة»، بدءاً من محاولة الرائد جاسم (الممثل سهيل دباش)، إقناع أحد الأطفال بمصاحبته لإخراجه من دائرة الحرب نحو الأمان، وليس انتهاء بلحظة لقاء وليد (الممثل إسحاق إلياس)، مع طفلته وزوجته، التي اختطفها أحد أفراد التنظيم، وأجبرها على العيش معه.

الفيلم لم يأتِ متكاملاً في رؤيته الإخراجية، فقد رافقته بعض الهنات والأخطاء التي يمكن اكتشافها بسهولة، لا سيما تلك التي تقع في منطقة اللهجة، وفي السرد أيضاً، وقد يكون ذلك مرده إلى الإنتاج، ولكن برغم ذلك، يبقى «الموصل» فيلماً جيداً نسبياً، بالنظر إلى كونه يعد التجربة الإخراجية الأولى لماثيو مايكل كارناهان، وبعيداً عن هذه المنطقة، تبقى جمالية الفيلم واضحة في ملامحه الشرقية «الصرفة»، ونجاحه في إظهار «الروح القتالية» للعراقيين، وقدمهم أبطالاً، يسعون إلى تحرير مدينتهم وعائلاتهم، حيث استطاع فريق العمل برمته، محاكاة الروح الإنسانية لدى العراقيين، وهو ما تجلى في عديد المشاهد، لا سيما تلك التي يظهر فيها الرائد جاسم، وهو يلملم القمامة في كل مكان يحط فيه وفرقته، ووضعها في مكانها، والتي بدت «رسالة مبطنة» منه إلى تنظيم داعش، بـ «أننا سننظف بلدنا منكم»، وفي تلك المشاهد التي تتخلص فيها الفرقة من أفراد داعش.

مشاهد الحركة والأكشن في الفيلم، نظمت على إيقاع جميل، قادر على شد المشاهد، وهي سمة امتازت بها هوليوود، واستطاع كارناهان أن يترجمها في هذا الفيلم، ذي الملامح الشرقية، ليقدم لنا صورة عامة، عما شهدته المدينة من دمار على يد تنظيم داعش، وقدم لنا واقعاً قاسياً، لا يزال حياً في ذاكرة المدينة. يذكر أن طاقم الفيلم، تضمن أيضاً كلاً من الممثل التونسي آدم بيسا، وبن عفان، وثائر الشيعي، ومحمد عتوقي وغيرهم.

Email