هبة غازي.. قصة نور خرجت من قلب الألم

في لحظة بدت كأنها صلح بين الألم والضياء، احتشد جمهور كبير في معرض الشارقة الدولي للكتاب مؤخراً حول فتاة صغيرة الملامح عميقة النظرة تدعى هبة غازي، توقع روايتها الجديدة «هبة الأمل». كانت القاعة تعج بالتصفيق، غير أن الوجوه كانت مضمخة بشيء من الدهشة، فبين الدموع والابتسامات شعر الجميع بأنهم أمام حكاية انتصرت فيها الروح على الجسد، والرحمة على القسوة، والإيمان على المستحيل.

رواية «هبة الأمل» ليست خيالاً يروى، بل واقع كتب بالدموع ثم نحت بالصبر. طفولة هبة لم تعرف اللعب مثل أقرانها، بل كانت منذ سنواتها الأولى أسيرة صراع مع مرض مناعي نادر هو تصلب الجلد وظاهرة «رينود»، يسلب الجسد عافيته ويجمد مفاصله، فيتسلل الألم إلى الوجه والأطراف وتصبح الأنفاس حذرة كأنها تمشي على خيط الضوء. كانت تؤدي صلاتها جالسة على الكرسي، لكنها لم تؤدها بقلب جالس، بل بقلب واقف في وجه القدر.
تروي هبة بصوت يفيض برضا عن رحلة علاجها، وتتذكر هبة تلك الليلة الطويلة الأولى في المستشفى قائلة: «قضيت أول ليلة وحدي... كانت الوحدة قاسية، لكنها لم تكن موحشة، كنت مؤمنة بأن الله معي».

وبين ألم الجسد وطموح العقل أكملت هبة دراستها الجامعية، ثم حصلت على وظيفة، لكن القدر كان لا يزال يختبر إصرارها؛ ففي أحد الأيام نال مرضها من مفاصل قدميها، ليقال لها: «تبديل المفاصل هو الحل»، غير أنها اختارت مع أطبائها طريقاً أصعب وأقل خطراً: عملية «تخريم العظام». جلست على الكرسي المتحرك شهرين كاملين، لكن العجلة الدائرة تحتها لم تمنع قلبها من المضي قدماً.
وسط الصبر ولدت روايتها «هبة الأمل»، ليست حكاية فتاة تصارع المرض فقط، بل سردية عن كيف يخلق الإنسان الحياة من رمادها، وكيف تصبح الأوجاع مادة الكتابة وجسر التعافي، في الرواية كلمات تشع كأنها أدعية، تمزج بين الاعتراف والامتنان، وتحول أصعب التجارب إلى مرآة يرى فيها القارئ نفسه أقوى مما كان.

داخل الكتاب كتبت المحررة صافيناز يونس، التي رافقت هبة في رحلتها الأدبية، بصدق يسكن القلب: «أعجبت بإيمانها ورضاها، وكانت تقول لي بثقة إن الله سيمنحها يوماً ما ترضى به. هبة كانت ابنة البيت وقصة نادرة الحضور، حفرت في داخلي أثراً لا يمحى».
كما حملت الصفحات كلمات دعم واحتفاء من الأطباء الذين أشرفوا على حالتها والذين رأوا في هبة «قدوة»، و«قصة نور خرجت من قلب الألم»، ونموذجاً لما يمكن للإيمان أن يصنعه حين يذوب الجسد وتبقى الروح صلبة.

ورغم قسوة ما مرت به لم تقف هبة على منصة التوقيع لتحدث الجمهور عن ألمها، بل عن انتصارها، قالت بهدوء امرأة ولدت مرتين: «المرض هو ولادتي الأولى، أما الأمل فهو الثانية»، ثم أضافت: «الحب والدعم يصنعان في الأرواح ما لا تصنعه الأدوية. جئت لأقول لمن يعاني أنت لست وحدك».

غادر الحضور القاعة بعد التوقيع، لكن شيئاً من صوتها بقي معلقاً في القلوب. لم يكن «هبة الأمل» مجرد كتاب يقرأ، بل تجربة تعاش، تعيد تعريف القوة بأنها ليست في العضلات ولا في الملامح، بل في القدرة على تحويل الوجع إلى ضوء، والخسارة إلى بداية جديدة، فهبة التي واجهت المرض والحزن والفقد خرجت من رحلتها أكثر وهجاً، لتؤكد أن الأمل - متى سكن القلب - لا يشفى منه أحد.