تصدر قريباً عن دار نوفل/هاشيت أنطوان رواية «سمك ميّت يتنفس قشور الليمون» للكاتب السوري الراحل خالد خليفة (1964 - 2023)، وهي الرواية الأخيرة للكاتب، وقد أبدعها خالد خليفة قبيل وفاته، وها هي في الطريق لتصدر بعد غيابه بعام واحد.

هذه الرواية التي تركها خالد كعادته هدية في الدار كانت حافلة بالدهشة والجماليات هذه المرة، وكأنها الكلمة الأخيرة لكاتب عاش كما يكتب، ببساطة، بألم أخفاه بدل أن يستعرضه أو يستثمره، بقلب طفل خالٍ من الأحقاد، وروح مكتفية لم تنزلق إلى الصغائر، بألمعية كان يخفيها بتواضعه، بالكثير الكثير من الصدق، وبموهبة متفردة لا تتكرر كل يوم في عالم الكتابة والأدب.

في روايته «سمك ميّت يتنفس قشور الليمون»، التي تقع في 264 صفحة، يصفّي خالد خليفة حساباته مع الزمن، لتغدو وكأنها بوح موارب عن أحلامه وإحباطاته، من خلال سرد حكاية شلة تحاول عبثاً إعادة بث الحياة في المدينة. فيسرد حكاية شلة موسيقيين وشعراء وفنانة حاولوا إعادة بث الحياة في مسارات حيواتهم وتحقيق ما يصبون إليه، لكنهم تعرضوا للعقبات، فلا أحلامهم الموسيقية تحققت، ولا قصص حبهم عاشت، ولا أفضى مستقبلهم إلى الإنجازات التي تمنوها.

هم شباب مهزومون: يارا ركضت خلف حلمها بالرقص حتى كندا، حيث التهمتها الحياة وشردتها، وروني لم يستبقها.. كان وظل من بعدها أكثر اكتئاباً من الدفاع عن حياته، وماريانا هربت من حبها الحارق لسام بأن حرقت حياتها. سام ظل ممزقاً بين توقعات العائلة منه وانتزاع بعض السلطة عبر محاباة السلطة، وبين بوب مارلي وحياة الصعاليك. لكل من أبطال الرواية، «المسوخ» كما تطلق عليهم صديقتهم منال، معاناته، تسلخاته، وخيبته، ولكل منهم وهمٌ ابتلعه في نهاية الحكاية.

في هذه الرواية، كأننا بخالد يصفّي حساباته مع الزمن، مع جنته المفقودة، مع تاريخه الشخصي، مع التناقضات التي تنهش النفس البشرية، والضياع الذي يشتت روحها، مع اغتراب المرء عن محيطه وعن نفسه.

كل الحب، كل المرارة، كل الفقد، كل اليتم والإحساس بالتخلي هنا.كل المصائر والخيبات، كل الأحلام المجهضة، كل التمزقات التي تفتك بالروح الساعية للبقاء.. كلها هنا. هنا شباب حاولوا الانتفاض على واقعهم بالموسيقى، والهروب من مصائرهم بكلمات الأغاني، لكنهم انتهوا أسرى الخيبات المتتالية: يارا أرادت أن تطير. منال كتبت الشعر رغم صفعات أخيها.

أنس حاول صنع حياة بعد مروة. سام حاول الهروب من الواقع، وماريانا هربت من أتون حبها إلى نار الاستقرار. في النهاية، فشلت فرقتهم الموسيقية، وفشلت قصص حبهم، وفشلوا في استعادة حياة مجتمعهم.