في عهد تحتمس الثالث كانت مصر قوة إقليمية عظمى بعدما نجح في تحقيق انتصارات مدوية في الشرق، بعدما واجه تمرداً كبيراً بعد وفاة الملكة حتشبسوت .
قضت حتشبسوت 22 عاماً في الحكم كانت ملء السمع والبصر، وخلفها الفرعون الشاب الذي تربع على عرش مصر وحيداً.
بدأ تمرد يتكون من تحالف دويلات المدن الكنعانية، بدعم من إمبراطورية ميتاني وحكام قادش، بالتمرد على الفرعون الجديد.
بلغت الثورة ذروتها في مدينة مجدو المسورة، التي تقع في سهل إزدرايلون، مما مكّنها من التحكم في طريقين تجاريين مهمين: أحدهما يتصل بالساحل والآخر يؤدي شمالًا إلى قادش، ولأن هذه كانت أول حملة عسكرية لتحتمس، فقد كان الضغط عليه كبيراً.
تقدم تحتمس الثالث بجيشه من حصن تجارو في شرق الدلتا، مستغرقاً عشرة أيام لعبور طريق حورس شمال سيناء وصولاً إلى غزة، قبل التقدم نحو مجدو عبر ممر أرونا الضيق والخطر.
الفرعون القائد
رغم تحذيرات جنرالاته بعدم المجازفة بالممر، أصر الفرعون على قيادته للجيش شخصياً، مظهراً شجاعته وحنكته العسكرية.
ممر أرونا كان ضيقاً ويشكل موقعاً مثالياً للكمائن، لكن المصريين تمكنوا من عبوره دون مقاومة، مباغتين قوات العدو في وادي قنا.
في اليوم التالي، حشد تحتمس قواته في تشكيل هلالي، حيث تقدم في المركز والجناحان الأمامي والخلفي لتطويق الأعداء.
انقسم الجيش المصري إلى ثلاث وحدات لمهاجمة المعسكرات الآسيوية جنوب مجدو، ما أدى إلى فرار القوات المتمردة وترك خيامها ومعداتها خلفها.
تم رفع بعض قادة الأعداء فوق أسوار المدينة بأسلوب مهين، بينما استسلمت مجدو بعد سبعة أشهر من الحصار، وأُسر حاكمها، فيما تمكن أمير قادش من الهرب.
غنائم لا حصر لها
بعد النصر، سجلت المصادر المصرية الغنائم التي استولى عليها الجيش، والتي شملت آلاف الخيول والعربات والدروع والأسلحة، إضافة إلى قطع ثمينة من الذهب والفضة. كما عزز النصر من سلطة تحتمس الثالث شمالاً في آسيا وجنوباً في النوبة، وقام بمهاجمة إمبراطورية ميتاني لاحقاً، مستخدمًا القوارب والعربات لعبور نهر الفرات والسيطرة على الأراضي الشمالية بالكامل، كما أقام لوحة نصر في جبل البركل بالنوبة لتوثيق انتصاراته.
نقطة فارقة
تعد الحملة الأولى الناجحة لفتح مجدو نقطة فارقة في تاريخ مصر القديمة، إذ أرست مكانة تحتمس الثالث كقائد عسكري بارع ومؤسس لعهد جديد من السيطرة الإقليمية.
التحديات التي واجهها، مثل الاختيار الاستراتيجي للممرات وقيادته الشخصية للجيش، تظهر شجاعة الفرعون وحنكته، بينما تكشف الغنائم والأساليب العسكرية عن التنظيم والتخطيط العسكري المتقدم لدى المصريين القدماء.
مهد النصر في مجدو لتوسيع النفوذ المصري في بلاد الشام، وضمان الاستقرار والسيطرة على طرق التجارة الحيوية، ما ساهم في تحويل مصر إلى قوة عظمى في المنطقة.
استفاد تحتمس الثالث استفاد من إرث حتشبسوت وأظهر قدرات القيادة الفردية، متحديًا التحديات الجغرافية والسياسية.
هذه الحملات عززت الاقتصاد العسكري المصري، وجعلت البلاد قوة إقليمية قادرة على التأثير في توازن القوى في الشرق الأدنى القديم، مع ترك إرث ثقافي وعسكري خلدته النقوش والمعابد المصرية.


