لغز أثري عمره 4000 عام.. تمثال "ميسي" في مصر يدهش العالم

في اكتشاف أثري مذهل، عُثر مؤخراً على تمثال غامض مدفون تحت رمال سقارة المصرية، يبلغ عمره حوالي 4000 عام. التمثال، الذي يُعرف باسم "ميسي" نسبةً إلى النبيل الذي يُعتقد أنه يُجسّده، يثير دهشة الباحثين والفنانين على حد سواء، لما يتميز به من أسلوب فني غير مسبوق في فنون النحت المصرية القديمة، ويكشف عن جرأة وإبداع غير متوقعين في تلك الحقبة.

التمثال المصنوع من الحجر الجيري، الذي عُثر عليه عام 2021 داخل مقبرة سقارة، قلب مفاهيم الباحثين حول النحت في المملكة القديمة. فقد ظل مدفونًا أكثر من أربعة آلاف عام بجوار جسر المدير، أحد أقدم المباني الحجرية بمصر، ويُظهر رجلًا نبيلًا مع زوجته وابنته في عمل فني استثنائي.

جرى توثيق الاكتشاف في دراسة حديثة بمجلة الآثار المصرية، شارك في تأليفها الدكتور زاهي حواس والدكتورة سارة عبده من جامعة بنها.

وأكدت الدراسة أن التمثال "لا مثيل له" في الأسلوب والتنفيذ. ورغم غياب النقوش على التمثال، فإن باباً وهمياً قريباً يحمل اسم "ميسي"، ما يرجح أن الشخصية تمثل هذا النبيل.

وقال عالم المصريات البارز الدكتور زاهي حواس: "هذا التمثال يُعيد صياغة فهمنا لما كان ممكناً في فن المملكة القديمة. إنه يكسر القوالب التقليدية، حرفياً ورمزياً، ويكشف عن قدرات مبدعة لم نكن نتخيلها في تلك الحقبة".

يبلغ طول التمثال متراً واحداً تقريباً، ويصور الرجل بوضعية متقدمة، قدمه اليسرى إلى الأمام رمزاً للحياة. يرتدي تنورة مطوية وشعراً مستعاراً بتفاصيل دقيقة، بينما تجثو زوجته عند ساقه اليمنى بحجم أصغر. لكن ما شد انتباه الباحثين هو شكل الابنة.

فالفتاة لم تُنحت كاملة الأبعاد مثل والديها، بل برزت جزئياً من الحجر، ممسكة بساق والدها بيد وبإوزة باليد الأخرى، في إشارة لقرابين الحياة الآخرة. هذا المزج بين النحت الدائري والنقش البارز لم يُعرف من قبل في الدولة القديمة (2686–2181 ق.م)، بحسب المؤلفين.

في التقاليد المصرية كان الحجم يعكس المكانة الاجتماعية، لكن صغر حجم الابنة وطريقة إبرازها أضافا بُعدًا جماليًا جديدًا يخالف أعراف الأسرة الخامسة. ويبدو أن الفنانين كانوا جريئين ومبتكرين بشكل لافت.

التصميم يُشبه تمثال "إيروكابتاح" الموجود في متحف بروكلين، وكلاهما من الحجر الجيري وبنسب متقاربة، ما يوحي بعملهما في ورشة واحدة أو مدرسة فنية محلية بسقارة.

وتشير المقارنات الأسلوبية في الشعر والملابس ووضعية الجسد إلى أن التمثال يعود للفترة بين 2465 و2323 ق.م، زمن ملوك مثل نيوسير رع وجد كارع إيسسي. هذه الحقبة شهدت تحول النخبة من الأهرامات إلى مجمعات جنائزية أكثر خصوصية، وفقاً لـ "dailygalaxy.".

وقالت الدكتورة سارة عبده : "إن الجمع بين الواقعية والرمزية يعكس قراراً فنياً مدروساً بعناية، ويؤكد أن المجال كان مفتوحًا للتجريب حتى في عصور رسمية".

استخدام تقنيات نحت مختلطة كان يُعتقد أنه بدأ في العصور المتأخرة مثل العصر البطلمي، لكن تمثال سقارة يثبت وجودها قبل أكثر من ألفي عام.

ويُبرز هذا التمثال أيضًا أهمية سقارة مركزًا للإبداع والروحانية. فقد كانت مدفنًا للنبلاء والكهنة والحرفيين آلاف السنين، ولا تزال أسرارها تتكشف باكتشافات مذهلة. ففي عام 2020 وحده، أُخرج أكثر من 100 تابوت مختوم من الرمال، ما عزز مكانة الموقع عالميًا.