فريديريك شوبان.. عبقري بولندا وفخرها الأول

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

حينما تزور بولندا للمرة الأولى فإن أكثر ما يتردد على مسامعك هو اسم شوبان، فما إن تطأ قدماك أرض المطار ستجد اسم شوبان في كل مكان، فمطار وارسو الدولي يحمل الاسم نفسه، وعندما تنتقل بين ثنايا المدينة لتصل إلى المدينة القديمة ستجد الاسم عينه حاضراً، وعند زيارة أي معلم ستجد لذاك العلم قصة فيه واسما يزين أرجاء المكان .

فريديرك شوبان ذلك العبقري الموسيقي الفذ، فخر بولندا الأول ورمزها الخالد، وأسطورتها النابضة بالحياة، رغم الرحيل المبكر حيث كانت رحلته في الحياة قصيرة في سنيها، لكن عطاءاته كانت بلا حدود، لم يتجاوز الـ 39 عاما لكنه خلالها أبدع 230 منحوتة موسيقية، خلدت اسمه كأفضل موسيقيي العالم، وأشهر فناني الحقبة الرومانسية في أوروبا فغزت موسيقاه أشهر وأهم مسارح العالم وما يزال صداها يتردد حتى يومنا الحاضر منذ أن عزف مقطوعته الأولى ، فماهية حياته الموسيقية القصيرة تشبه في كينونتها حياة العبقري الموسيقي النمساوي أماديوس موتسارت أحد أشهر العباقرة المبدعين في تاريخ الموسيقى الذي رحل عن عمر يناهز الـ 35 عاماً بعد أن منح البشرية 626 عملاً موسيقياً، وقاد أوركسترا وهو في السابعة من عمره.

فشوبان منذ أن جادت به الدنيا، كان يعاني بجسده النحيل، وعندما أدرك أنه لم يعد قادراً على العطاء، واتحاف البشرية بمعزوفات جديدة رحل عن الدنيا، بعد أن نثر عبير ترانيمه الزكي في أرجاء الدنيا، ومات بالسل في العاصمة الفرنسية باريس عام  1849  ووري جثمانه الثرى، جسداً بلا قلب، حيث  أوصى أخته بأن يدفن قلبه في بلده الأول بولندا فكانت الأخت أمينة ونفذت وصيته، ونقل قلبه إلى وارسو، وهو الآن موجود ضمن نصب تذكاري في كنيسة وارسو،  مزاراً للملايين من عشاقه ومحبيه من أنحاء العالم.

كان شوبان محظوظاً بأسرته العاشقة للموسيقى ففي عام 1810  تنسمت أنفاسه الأولى ولع الموسيقى  في قرية جيلازوفا فولا Żelazowa Wola  التي تبعد حوالي46  كليو مترا غرب  العاصمة البولندية وارسو، وأضحت هذه القرية اليوم مزاراً أسبوعياً للبولنديين ولمحبي فن الموسيقى،  فهي وجهة محببة لـ 100 ألف شخص كل عام.

والد شوبان ، عازف الناي والكمان الفرنسي نيكولاس، أما والدته البولندية فكانت عازفة ومعلمةً للبيانو، بعد 6 أشهر من ولادة شوبان انتقل والداه إلى العاصمة وارسو، حيث عمل أبوه مدرّسا للغة الفرنسية وأمه مدرسة للبيانو. 
بزغت عبقرية شوبان في سن مبكرة جداً، ففي الـ7 من عمره كان قادراً على عزف ما تردد على مسامعه حين كان طفلاً يشهد دروس والدته في العزف، فعهدت أمه هذه الموهبة اليانعة إلى التشيكية فويتشخ التي أصقلت موهبته ودربته على العزف، والتي كانت أولى معلماته المحترفات، وتمكن من تألّيف أولى معزوفاته عام 1817 وأهدى الثانية لمعلمته عام 1821. 

وكانت طفولة شوبان ومراهقته أكثر فترات حياته بهجة؛ فقد ولد في العصر النابليوني، الذي كان لحظة أمل للبولنديين، ونشأ في وارسو، ثم استقر في باريس -العاصمة الثقافية لأوروبا في ذلك الوقت - لكنه ظل في ذهنه مخلصًا لبولندا، فكان محاطًا بحب كبير من والديه وإخوته، وخاصة الأكبر منه، كان لديه العديد من الأصدقاء، وكانوا يفتخرون به وكان مبادرًا في تقديم الألعاب والمرح.

التحق شوبان بمعهد وارسو الموسيقي عام 1823، وتعلم فيه العزف على عدد من الآلات الموسيقية، ودرس النظريات الموسيقية وألّف معزوفات مميزة وشارك في عدد كبير من الحفلات.

 كان شوبان مرتبطًا بشكل خاص بكنيسة القديسة آن ففي عامي 1825-1826، كان يعزف كل يوم أحد على الأرغن في الكنيسة. 
في سبتمبر 1828، ذهب فريدريك مع البروفيسور فيليكس جاروكي، صديق نيكولا شوبان، إلى برلين، شاهد العديد من الأوبرات مثل أعمال جاسبار سبونتيني وبيتر وينتر وأندريه جي أونسلو ودومينيكو سيماروسا، وهناك توسعت آفاقه الموسيقية وتعرف على الأعمال المعاصرة والتقاليد الموسيقية.

في مايو 1829، سمع اثنين من عازفي الكمان في وارسو -كارول ليبينسكي والأسطوري نيكولو باغانيني مما ألهم شوبان وكتب مقطعين للبيانو والأوركسترا (Rondo à la Krakowiak ) Fantasy on Polish Airs). 

وما أن انتهى شوبان من دراسته، قرر الذهاب إلى فيينا مع أصدقائه وحقق إنجازات موسيقية كبيرة، وبدأ في تأليف أول كونشيرتو بيانو ثم مقطوعات موسيقية، الفالس، وفي عام 1830 ألف مقطوعات الموسيقى الليلية المعروفة باسم Nocturnes.

أقيم أول حفل موسيقي لشوبان في Pleyel Hall في 25 فبراير 1832 وبدأ في المشاركة في العديد من الحفلات وذاع صيته.

أصبح شوبان مدرسًا شهيرًا للبيانو وبدأ في التجول بين البلدان الأوربية لإقامة الحفلات وتعليم عزف البيانو، وبدأت المكتبات الموسيقية في تخزين العديد من مؤلفاته .

وتخللت رحلته الموسيقية صراعاً من المعاناة الجسدية التي لازمته كثيراً فانتصر فيه مرات عديدة ، إلى أن صرعه مرضه الأخير، الذي قاوم آلامه وقام بجولة في بريطانيا بدعوة من طالبته جين ستيرلينغ، وقدم عروضاً في كل من أدنبرة وجلاسكو، لتشهد قاعة جيلدهول في لندن معزوفته الفنية الأخيرة. 

تتقاسم كل من فرنسا وبولندا الفخر بنجاح الموسيقار العظيم، حيث أفردت العاصمة البولندية متحفاً خاصاً لشوبان، وأعيد ترميمه قبل 9 سنوات بتكلفة وصلت لـ20 مليون يورو، كما تم تسمية مطار العاصمة وارسو باسمه، ليكون رمزاً وطنياً لها وأول ما يطرق مسامع الزائر لتلك البلاد حيث يتردد صدى موسيقاه  في كل شبر من أرجائها وتعزف موسيقاه يومياً في أشهر المسارح والحدائق حيث يتجمع الناس للاستمتاع بشكل قوالبه الموسيقية وتركيباتها الهارمونية بالإضافة إلى قدرته العالية في ابتكار الموسيقى بروحها القومية، والذي جعل من موسيقاه ذات تأثير قوي في جميع الأنحاء وأعطاها استمرارية لأمد طويل بعد انتهاء الحُقبَة الرومانسيّة.

توفي فريدريك في 17 أكتوبر في الساعة 2 صباحًا عام 1849 في باريس، وأقيمت جنازة رسمية في 30 أكتوبر في كنيسة القديسة مادلين وكان البولنديون محظوظين بشوبان، تمامًا كما حصل الألمان على موتسارت.

كلمات دالة:
  • جيلازوفا فولا،
  • شوبان،
  • فريديريك شوبان،
  • بولندا،
  • وارسو
Email