الكتاب الجديد

ت + ت - الحجم الطبيعي

يكتسب الكتاب أهمية كبيرة عند البشر لأنه مفتاح العلم والحياة والمرجع الأول لكل معارف الإنسان، ولولا ملحمة جلجامش، أول كتاب طيني عرفه الإنسان، لما تعرفنا على حقبة كبيرة من الحياة البشرية. وقد تطورت صناعة الورق، من الطين المفخور إلى سعف النخيل والجريد والألواح الخشبية وجلود الحيوانات وما اكتشفه الفراعنة من أوراق البردي. وقد لعبت الاكتشافات المتعاقبة كبير الدور في الخصوص، فبعد اختراع الورق كان اختراع المطبعة وتطور الطباعة ودخولها في النظام الإلكتروني.

أما الكتاب، وبعد كل هذه التقنيات المختلفة فقد تطور من كتاب ورقي إلى كتاب رقمي وبدأ الصراع بين الأسلوبين وما زال.

الشباب اتجه للكتاب الرقمي، أما جيلي بالذات، حيث تعودنا من صغرنا على الكتاب الورقي، فقد حافظنا على الوفاء للورق بل عشقناه ورائحته وشكله، ونتذكر أيام زمان حينما كنا ننام وينام الكتاب معنا في الفراش عند ليالي الامتحانات وإصرارنا على استمرار الدراسة أو الخوف من الوالدين اللذين كانا يشددان على الدراسة والقراءة ومتابعتنا حتى في أسرة نومنا.

والحقيقة أن التطور التكنولوجي والعلمي أخرج للبشرية الكتاب الرقمي، وأصبح الإنسان بكبسة زر على الكمبيوتر يستطيع أن يستخرج أي مادة علمية أو أدبية أو معرفية أو أي معلومات يحتاجها، بينما نظل نحن عشاق الكتاب نضطر للذهاب إلى المكتبات واقتناء ما نريد من المصادر، وقد لا نجدها لقدمها أو لغلاء أسعارها أو لأسباب أخرى. ولا ننسى هنا ميزة شاشة الكمبيوتر المضيئة حتى في الظلمة، والفأرة التي تقوم بفتح بوابات الدنيا على سعتها، وإمكانية الحذف والتصحيح والإضافة، من دون استعمال الأحبار ومواد الإزالة.

الورقي يفتخر بتاريخه وتطوره، والرقمي لا تاريخ له إنما له واقع يفاخر به، والكتاب الورقي في طريقه إلى الضياع والزوال بالقدم أو صعوبة الاحتفاظ به، بينما الرقمي أزلي، خاصة حينما يحفظ على (سيرفرات) ذات سعة تخزين واسعة.

ولكن أبناء جيلي لا قناعة لهم بهذا الاكتشاف والسهولة والحماية التي يمنحها الكتاب، فما زلنا نعشق بياض الورق، وذكريات الحبيبات اللواتي كن يتعمدن استعارة الكتاب وإعادته مع خطوط حمراء أو خضراء أو زرقاء، تحت الجمل التي يردن إرسالها للعاشق.

وإذا ما كان الكتاب الورقي مهددا بالتمزق أو الاحتراق أو الفقد، فالرقمي مهدد بالفيروس الذي يفاجئك فيمحو ذاكرة الجهاز الذي يتفاخر به الشباب، وعلى الشباب طاعة الفأرة، وسلامة الأسلاك وترقب المفاجآت ولا عزاء إلا في العودة إلى عشق الكتاب الورقي الذي هو حبي وملاذي وعشقي وصديق وحدتي.

Email