المشهد الأخير

ت + ت - الحجم الطبيعي

أغلقت ستارة المسرح، وأطفئت أضواء الصالة، وخرج المشاهدون، توقف النقاد عن الكتابة، بعد أن كسروا أقلامهم حزناً، وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح.

نقول قامة فهو أعلى منها.

الإبداع كله.. لكن الإبداع تعلم منه كيف يبدع الفنان.

ونقول.. ونقول.. ونقول فلا نستطيع أن نعطيه حقه ونحن في المشهد الأخير من حياة الممثل.. ولعلي أقول دون وجل، إنه كان جنائن بغداد غير المعلقة.

كم من جيل تعلم منه. وكم من مبدع في المسرح العراقي كان طالباً من طلابه، هو الذي اقتحم رعيل العمالقة في القاهرة فوقفوا جميعهم يصفقون لإبداعه الذي فاجأهم بقامته وبشموخه وجعلهم يتساءلون: كيف يمكن لهذا المبدع أن يكون غائباً عن أقلامهم وتجربتهم. فصفقوا وصفقوا وأبو يعقوب ينحني لهم احتراماً.

إنها نهاية الممثل الذي يغادر الحياة حياً، فكيف إذا كان الممثل كاتباً خصباً، وممثلاً لا في المسرح فحسب بل في السينما والتلفزيون، ومفكراً حراً، وإنساناً بكل معنى الإنسانية.

أنا لا أملك القدرة على رثائه، بل إن قلمي، وأنا الكاتب المحترف، يتوقف إجلالاً لرحيل أستاذي الذي تعلمت منه فنون المسرح أكثر من ما تعلمتها من النظريات والكتب والدراسات، أهم ما علمني أخلاق الفنان والتزامه لفنه، ولعل معظم التجارب أنتجت مجموعة مسرحيات وأفلام. ولكنها لم تنتج القيم المسرحية التي تعلمناها من يوسف العاني.

هو مدرسة مشرعة أبوابها لمن يريد أن ينهل منها، ومؤسسة فنية متكاملة. استوعب مراحل تطور فن الدراما في العراق والوطن العربي.

سيرة امتدت من مسرح الطين على ضفاف دجلة في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، حتى سرير الموت في المستشفى العربي في الأردن، الموت حق ولا اعتراض على حكم الله، لكن الغربة صعبة والموت فيها أصعب وأمر.

Email