مكاني الحقيقي

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما كنت في الخامسة عشرة من عمري، قلت لأمي: «عثرت على مهنتي. أريد أن أصبح كاتباً».

ردت نظرة بنظرة حزينة: «يا بني. أبوك مهندس وهو رجل منطقي وعاقل له رؤية دقيقة للعالم، هل تعرف من هو الكاتب؟». فرددت: «إنه شخص يؤلف كتباً». فقالت: «عمك هارولدو طبيب، ويؤلف كتباً أيضاً. وهو أصدر بعضاً منها. وأنت: التحق بكلية الهندسة وسيتاح لك الوقت لتأليف الكتب». عقبت: «لا يا أماه. أريد أن أصبح كاتباً فقط. وليس مهندساً يؤلف الكتب». فقالت: «ولكن، هل قابلت كاتباً أبداً؟ هل رأيت كاتباً؟».

قلت: «لم يحدث ذلك قط، فلم أر كاتباً إلا في الصور». وتابعت: «كيف ترغب في أن تصبح كاتباً، من دون أن تعرف على وجه الدقة، ما الذي يعنيه هذا بالضبط؟».

لكي أرد على أمي، قررت أن أنجز بحثاً، وفي ما يلي ملامح من ما وجدته حول ما يفترض أنه ممثل الكتّاب في صدر الستينات من القرن الماضي.

يضع الكتّاب دائماً، نظارات. ولا يصففون شعرهم بشكل سليم، ويمضون جل وقتهم غاضبين على كل شيء والبقية يمضونها وهم مكتئبون. يقيمون في المقاهي عاكفين على النقاش مع أشخاص آخرين. يضعون نظارات طبية ولا يصففون شعرهم بشكل جيد، ويتحدثون بتأن، ولديهم على الدوام أفكار رائعة عن رواياتهم المقبلة، ويكرهون الرواية التي أصدروها لتوهم.

الكتّاب لديهم واجب والتزام قوامه ألا يفهمهم جيلهم.

الكتّاب وحدهم يفهمون ما يريد الكتاب قوله، ومع ذلك فإنهم في قرارة أنفسهم، يمقتون بعضهم بعضاً.

الكتّاب عندما يُسألون عما يقرؤونه. فإنهم يشيرون دوماً إلى كتاب لم يسمع به أحد قط.

تسلحت بهذه المعلومات وبغيرها. وعدت إلى أمي فأوضحت لها على وجه الدقة من هو الكاتب. فدهشت بعض الشيء، وقالت: «من الأسهل أن تكون مهندساً، وفضلاً عن ذلك فإنك لا تستخدم نظارات طبية».

ولكن شعري لم يكن مهندماً بشكل جيد، وكنت أحمل علبة سجائر من نوع «برواز» في جيبي، ونص مسرحية تحت إبطي. وأعكف على دراسة هيغل، وقررت أن أقرأ رواية «عوليس»، ولكن جاء يوم ظهر فيه راؤول سيكاس في حياتي. وأعادني إلى مكاني، وسط الناس العاديين.

Email