ممارسات واشنطن في باكستان وأفغانستان أغرقتها في مشكلات لا نهاية لها

«حروب أميركا السرية»..تحليلات ومقارنات

ت + ت - الحجم الطبيعي

في شهر ديسمبر من عام 2001 أعلن الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش «الابن» شنّ عملية عسكرية واسعة النطاق لخّص أبعاد الهدف منها بقوله: «من أجل النهوض بشعب أفغانستان».

وأضاف في السياق نفسه قائلاً: سوف تبقى القوات الأميركية هناك حتى انتهاء مهمتها.

ثم تمر السنوات، وبعد 16 سنة بالتمام والكمال لم تنته فيها المهمة، يزور أفغانستان مسؤول أميركي كبير آخر وهو مايك بنس نائب الرئيس الأميركي الحالي.. وذلك في ديسمبر من عام 2017. الذي وقف أمام القوات الأميركية المرابطة في أفغانستان وقال: نحن هنا لكي نبقى.. إلى أن تفوز الحرية.

كل هذه الأحداث.. بكل ما انطوت عليه من تلك المفارقات، هي التي تدور عليها مقولات الكتاب الصادر مع مطلع العام الحالي بقلم البروفيسور ستيف كول، والذي جاء تحت عنوان: «الحروب السرية لوكالة الاستخبارات (الأميركية) في أفغانستان وباكستان».

وعلى امتداد فصول هذا الكتاب يذهب المؤلف إلى أنها تبدو حرباً بلا نهاية، دون أن تلوح في الأفق محطة للوصول، بل الذي يلوح في تصوّر المؤلف أن زراعة مخدّر الأفيون ما برحت في توسع وازدياد، وأن آفة الفساد مازالت مستشرية في أفغانستان، لدرجة أنه لم يعد في يد الولايات المتحدة - على نحو ما يؤكد المؤلف أيضاً - ما يمكن أن تتباهى بتحقيقه عبر تلك السنوات السبع عشرة السابقة، رغم التكاليف الباهظة التي أنفقتها على هذه العمليات.

والمقدرة بما يفوق التريليون دولار. وهنا لا يتورع المؤلف عن مقارنة ما يحدث لأميركا في أفغانستان مع ما سبق وحَدَث لها في فيتنام. والمقارنة في هذا الخصوص تستخدم مصطلح «المستنقع» (Quagmire) بعد أن اتفقت نظرة إداراتها السابقة على أن عمليات أميركا في أفغانستان أمر لا مفر من الاضطلاع به في كل حال.

ولأن الكتاب يغوص في أعماق مشكلة مازالت تشغل المسؤول وتؤرق أيضاً المواطن الأميركي، فقد حفلت الفصول بالقدر الكبير والمثير من الطروحات الموثقة والمدعمة بالأدلة المستقاة - بجهد المؤلف - من مصادرها الأصلية. وفيما يذهب مؤلف الكتاب إلى تشتت طابع الأفكار والسياسات والآراء عند هذه المستويات، إلا أنه يخلص عبر الصفحات إلى أمرين هما من الأهمية بمكان:

الأول: أن ثمة افتقاداً أو غياباً، في رأي الكاتب، لعنصر الثقة بين العاصمتين: واشنطن وكابول التي يرى ساستها البارزون في دور أميركا في أفغانستان وجوداً لقوة سيطرة أكثر منها قوةَ تحرير.

الثاني: يتمثل في شكوى كبار العسكريين الأميركيين العاملين في أفغانستان من عدم تلقيهم إمكانات التعاون الكافي من جانب نظرائهم من قادة باكستان المجاورة، سواء من صفوف القوات المسلحة أو على صعيد وكالة الاستخبارات في إسلام أباد.

من هنا يقول الخبير العسكري أندرو باسيفتش، في دراسته التحليلية للكتاب، إن قارئي فصوله وصفحاته لن يسعهم على الإطلاق أن يأخذوا تصريحات كبار مسؤولي واشنطن على محمل الجد، وخاصة حين يصادفون مثلاً تصريحات «بنس» نائب الرئيس الأميركي حين يقول: أعتقد أن النصر أقرب مما كنا نتصور من قبل.

هنا يعلق مؤلف الكتاب موضحاً أن ما يجري بالنسبة للوجود الأميركي الحالي في أفغانستان يدفع الناس إلى التشكك في مدى جدية مثل هذه التصريحات، وما في حكمها من وعود التفاؤل التي لا يفتأ يطلقها كبار المسؤولين الأميركيين، من عسكريين ومدنيين على السواء.

Email