بيرو.. الثبات على طريق النجاح الاقتصادي

قصة إنجازات 20 عاماً من أميركا اللاتينية

ت + ت - الحجم الطبيعي

ظلت «بيرو» بلداً لاتينياً متواضع المكانة، ثم بدأت تحوز اهتمام الأوساط الاقتصادية الدولية خلال عقد الثمانينيات من القرن العشرين، ولكنه اهتمام سلبي إلى حد ليس بالقليل. لماذا؟ لأن الثمانينيات مرت على بيرو وهي غارقة في دوامات الديون التي طالما أثقلت كاهل اقتصادياتها وأصابتها بالضيق.

ولكنها بدأت، مع دخول العالم عقد التسعينيات في القرن الـ20، تشهد نهضة اقتصادية ومجتمعية لافتة يرصدها كتاب «بيرو: الثبات على طريق النجاح الاقتصادي»، لاثنين من المتخصصين في مجال الاقتصاد: أليخاندرو سانتوس وزميله أليخاندرو وورنر.

يستهل كتابنا مقولاته بالاعتراف بأن بيرو عانت على مويكتسب كتابنا مصداقية خاصة بفضل المؤسسة التي عُنيت بنشره: «صندوق النقد الدولي». ومن هنا يأتي هذا الندار عقد الثمانينيات من القرن الفائت من آفة اقتصاد ظل مثقلاً بحجم الديون، وطبعاً بأعباء خدمة الديون، إلى أن حلّت الفترة التي يحددها البحث العلمي بين عامي 1993 و2014، وهي المرحلة التي شهدت كما يقول محررا الكتاب، قدرة بالغة التميز من حيث الأداء الاقتصادي في البلد اللاتيني المذكور.

في هذا الإطار، زاد متوسط الناتج القومي الإجمالي على مدار الفترة المذكورة، عن معدل الخمسة في المائة. وكان طبيعياً أن تفضي هذه الزيادة المشهودة إلى انخفاض في معدلات الفقر إلى أقل من نصف ما كانت بيرو تعانيه في سنوات مضت، وهو ما جاء مترافقاً – كما قد نقول - مع الغايات الاقتصادية – الاجتماعية التي ظلت تنشدها الأهداف الإنمائية للألفية، على نحو ما رسمته منظمة الأمم المتحدة منذ حلول السنوات الأولى من القرن الحالي.

في الوقت نفسه، ينّوه كتابنا بما واكب هذا الإنجاز الاقتصادي، من زيادة كانت مرموقة بكل مقياس في حجم الطبقة الوسطى في بيرو. وفي غمار هذه التطورات جاء العنصر الصيني ممثلاً في انتعاش عمليات التبادل والتعامل التجاري بين ليما، العاصمة اللاتينية، وبكين، العاصمة الصينية.

ويعمد الكتاب إلى تسجيل بضع ملاحظات لها أهميتها الخاصة في هذا السياق وتكاد تشكل، دروساً مستفادة لاقتصاداتنا العربية، وفي مقدمتها ما تذهب إليه بحوث الكتاب من أن ظاهرة الانتعاش في اقتصاديات بيرو لم تكن مقصورة في أسبابها على مجرد العلاقات التجارية مع «الصين» أو حتى مع غيرها من بلدان الاقتصادات الناهضة: إن الفضل الرئيسي في هذا المضمار إنما يرجع إلى ما قامت به بيرو – كما يؤكد الكتاب- من إصلاحات هيكلية أتاحت لهياكلها وحياتها الاقتصادية مزيداً من عناصر الكفاءة والاستقرار والصمود في وجه الأنواء العديدة التي عصفت باقتصادات العالم، وإلى حد وقوع الأزمة الخانقة التي شهدها عام 2008 على سبيل المثال.

صحيح - يعترف الكتاب - بأن من هذه الإصلاحات ما بالغ في إجراءاته، ومن ذلك مثلاً إتاحة السبيل أمام أصحاب الأعمال ورؤوس الأموال بأن يبادروا إلى أساليب الفصل (التفنيش) الناجز من الخدمة على الطريقة الأميركية بحق مستخدميهم من عمّال وموظفين وذلك بدعوى المزيد من تحرير العملية التجارية.. لكن الصحيح أيضاً أن ثمة إجراءات أكثر إيجابية وأجدى نفعاً اتخذت بدورها لصالح ترشيد مسيرة الاقتصاد.

ثم يختتم كتابنا ملاحظاته بالتأكيد على أهمية أن تواصل بيرو، وكل الأقطار النامية التي تماثلها، مسيرة الإصلاح الشامل، مع العمل من أجل القضاء على آفة البيروقراطية وإكساب بيئة العمل والاستثمار مزيداً من المرونة، دعماً لخطوات التطور التي استطاعت بيرو أن تتخذها على مدار السنوات العشرين الماضية.

Email