حدود عنيفة ولاجئون بؤساء ينشدون الأمان

دعوة إلى مزيد من التفهم الإنساني لمأساة العصر

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

طالما عرف المجتمع العالمي ومنظومات التحكيم الدولي نشوب مشاكل الحدود التي ظلت تثور فيما بين دول عالمنا. ثم جاء انتخاب رئيس جديد لأميركا اسمه دونالد ترامب، ليثير مشكلات الحدود بين الولايات المتحدة وجارتها الجنوبية المكسيك، خاصة وأن ترامب، المرشح الجمهوري، كان قد وعد بإنشاء سور عملاق فاصل بين البلدين المذكورين. وكأنما كان يستعيد بذلك النموذج المشوه المرفوض للسور- الجدار العنصري العازل في الأرض الفلسطينية المحتلة على نحو ما أقدمت عليه إسرائيل منذ سنوات، رغم ما لاقاه الجدار الصهيوني من رفض من جانب محكمة العدل الدولية.

ووسط هذه الملابسات، عكف الأكاديمي الأميركي ريس جونز، أستاذ علم الجغرافيا في جامعة هاواي، على تأليف وإصدار واحد من أحدث كتبه تحت العنوان التالي: «الحدود العنيفة: اللاجئون وحق الانتقال».

ولا يملك قارئ الكتاب، سوى أن يلاحظ كيف يدعو المؤلف إلى سياسة أكثر انفتاحاً وأعمق إنسانية إزاء ظاهرة «هل نقول مأساة» اللاجئين. وهو يدعو إلى ما يصفه بأنه عالم بلا حدود في عصر العولمة الذي يراه سبباً في وجود مستويات وحالات غير مسبوقة من اللامساواة في المداخيل والإمكانات الاقتصادية، وفي المصائر على السواء.

ويرفض المؤلف بناء أسوار أو معازل أو مناطق سدود تحول دون تدفقات البشر اللاجئين أو المشردين أو طالبي النجاة بأرواحهم من جحيم الأوضاع في هذه البقعة أو تلك، مؤكِّداً أن السور أو السد ربما يفضي إلى نتائج مريحة على المستوى المحلي، ولكنه يؤدي إلى تفاقم المآسي الإنسانية حين يزيد ضغط الحشود التي لا تجد مناصاً من عبور البحر على متن سفن غير مؤهلة وبواسطة عصابات تهريب البشر، بل والاتجار في البشر.. وهو ما ينتج عنه، كما يرصد الكتاب، تلك النهايات المأساوية لأفواج عدة من البشر.. ويكفي، كما تشير سطور الكتاب إلى أنه شهد العقد الزمني الأخير مصرع 40 ألف إنسان كان همهم محاولة عبور الحدود طلباً للحد الأدنى من السلامة أو النجاة.

وحين يتحول المؤلف إلى الاقتصاد الدولي وآفاق تطوره، فهو يتوقف ملياً عند ما يرصده من تناقض يراه ماثلاً بين الدعوة إلى فتح الحدود أمام حركة التبادل التجاري وانتقال رؤوس الأموال والاستثمارات فيما بين دول الشرق والغرب أو أقطار الشمال والجنوب، ناهيك عن تبادل السلع والتجارب الإنمائية التي تحمل شعار «الجنوب - الجنوب».

ويكاد المؤلف ينفرد بدعوته التي تتردد أصداؤها عبر فصول وصفحات هذا الكتاب، وهي أقرب إلى دعوة لحدود مفتوحة أمام اللاجئين، مع العمل في الوقت ذاته، على تطبيق وتفعيل نظم وعمليات ضبط الحدود ومراقبة ما يرتبط بها من جرائم مهربي المخدرات أو إفلات المجرمين المدانين بأحكام صادرة عن دوائر القضاء.

وهكذا تتسم هذه الدعوة من جانب المؤلف، بقدر لا ينكر من فضيلة التعاطف ومن الروح الإنسانية، وهو ما جعل مجلة «بوسطون غلوب» الأميركية تذهب في نقدها التحليلي لهذا الكتاب، إلى أننا في حقبة تشهد جائحة الإرهاب وغائلة اللامساواة على مستوى العالم، فضلاً عن تصاعد حمّى التوتر السياسي بسبب مشكلة الهجرة، ما يلزم معه إيلاء الاعتبار الواجب لأفكار مؤلفه، البروفيسور جونز التي تقول: إن فرض القيود الصارمة بوجه المهاجرين الفارّين من أتون الحروب والمجاعات وغارات الإرهابيين، هو أمر يجعل العالم أسوأ.. وليس أفضل في كل الأحوال.

ثم يزيد المؤلف توضيحاً لهذه الصورة حين يبيّن من خلال استقصاءاته البحثية، أن معظم اللاجئين – النازحين – المهاجرين، إنما جاؤوا من أقطار طالما عانت في الماضي من مظالم المد الإمبريالي، ثم ظلت تعيش حياة بائسة خلال مرحلة ما بعد الكولونيالية التي أعقبت جلاء الاستعمار (الغربي) عن أوطانها، تاركةً تلك الأوطان نهباً لمواريث التخلف التقني والعجز الاقتصادي وانقطاع الأمل في مستقبل أفضل.

 

Email