وأنها مع تواليها على سدة الحكم وصناعة القرار تتوارث أيضاً ذاكرة مشحونة برؤى ومخططات تطفو وتسطع كما تكمن وتتوارى، وفقاً لشروط ومحددات بعينها، لكنها تكاد تستعصي على الأفول أو الغياب بالكلية.
ومن المعلوم أن تلك المحاولات آلت حينها إلى الفشل، بفعل استبسال الفلسطينيين في الدفاع عن الأبعاد السياسية لقضيتهم الوطنية، عوضاً عن ما كان يضمره التهجير وما زال من طي لهذه الأبعاد.
وذلك بالاتكاء على التأثيرات الاجتماعية لبعض الوجهاء والمحاسيب العشائريين وتحويلها إلى مكونات سياسية.. لكنها للإنصاف ارتقت بعنوان المحاولة من رابطة إلى إمارة، وأفصحت عن هدفها القديم بلا مواربة.
وهو تلفيق بديل يدعي التحدث باسم الفلسطينيين ويمثلهم غير منظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الفلسطينية في رام الله، ويعد بما لم تجرؤ صيغة الروابط على الالتزام به علناً السلام مع إسرائيل وإبرام اتفاقات معها بعد الاعتراف بها دولة يهودية.
يتعلق الأول بالأطماع الاستعمارية الإسرائيلية لاحقاً في جنوب لبنان وصولاً للسيطرة على مياه الليطاني.. فقد ناشد حاييم وايزمان، زعيم الحركة الصهيونية البارز.
وأول رئيس لإسرائيل، مؤتمر الصلح في باريس عام 1919 بأن يكون نهر الليطاني ضمن الحدود الشمالية للكيان الصهيوني المقترح، بالنظر بزعمه لقلة فائدته للبنان! ومن توالي الوقائع وأهمها أخيراً حديث نتانياهو عن تعلقه بخريطة إسرائيل الكبرى، نفهم أن الإسرائيليين لم يتخلوا حتى ساعتنا هذه عن جوهر هذه المناشدة.
المدهش، أنه بعد 100 عام من فشل ذلك التوجه، ثم رحيل الفرنسيين واستقلال سوريا بقوامها المعروف اليوم، يطل الإسرائيليون على المشهد الإقليمي وقد تأبطوا خريطة غورو..
بل ويحدوهم الأمل بأن يستهلوا تطبيق هذه الخريطة بمحاولة سلخ جبل الدروز وعاصمته السويداء الذي للمفارقة التاريخية كان معقل قائد الثورة الشعبية العامة ضد غورو وجنوده ومشروعهم اللئيم.
فالمقتلة وسياسة الأرض المحروقة في غزة، قد لا تدع أمام الغزيين إلا طريق الهجرة واللجوء واستطالة أمد الانقسام الذي يعصف بالحالة الوطنية الفلسطينية العامة، ويغري بمرور روابط القرى في حلتها الجديدة.
والوضعية القلقة شبه الانتقالية للحالتين اللبنانية والسورية، فضلاً عن تعرض المنطقة بعامة لاختبارات الشد والجذب في القلب والأطراف، قد تسمح بالعبث في خرائط المنطقة لصالح إسرائيل، بل وربما أطمعت نتانياهو وبطانته من غلاة المتطرفين بمد بصرهم إلى ما هو أبعد شرق أوسطياً من هذه الأهداف. لذا لزم التنويه.