لا شك في أن قبول إسرائيل و«حماس» باتفاق يحظى بدعم سياسي من دول عربية وقوى إقليمية، يعد مؤشراً على انتهاء كابوس الحرب وليس مجرد هدنة قصيرة الأجل. سيظل هذا الاتفاق «لحظة حبس فيها التاريخ أنفاسه»، إلا أن هناك قضايا عديدة عالقة تحتاج إلى نقاش مطول، وعمل شاق.
فخطة السلام المكونة من 20 بنداً التي اقترحتها إدارة ترامب تحاول إيجاد توازن دقيق بين تهيئة الظروف لوقف إطلاق النار والتفاوض على تسوية دائمة للحرب، حيث إن الإدارة الأمريكية لم تعد قادرة على تجاهل التداعيات الإنسانية لحرب غزة، فاستعمل ترامب مع الطرفين وصفة العلاج بالصدمة.
فقد نفد صبره وانزعج من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، وما كان أمام الأخير سوى الانخراط في العملية وقبولها ولو على مضض، كما هدد «حماس» بـ«القضاء عليها تماماً»، وتعرضت الحركة لضغوط شديدة أيضاً أجبرتها على قبول الاتفاق جزئياً والدخول في مفاوضات شرم الشيخ.
غموض
لكن الغموض حول المرحلة الثانية يثير تساؤلات حول هل سيلتزم الجانبان بالنفس الطويل، علماً أن الاتفاق الذي أعلنه ترامب في وقت متأخر من مساء الأربعاء جاء خالياً من التفاصيل.
وترك أسئلة كثيرة دون حل، كما حدث مع محاولات السلام السابقة. حيث نجد أن هناك غياباً للضمانات الحقيقية بشأن التزام ترامب وإسرائيل بالاتفاقات واحتمالية نقضها لاحقاً.
الخط الأصفر
وربما أدرك ترامب أن هذه الأمور من الملفات الخلافية، ولذلك أشار إلى أن هذه المسائل ستترك لمرحلة لاحقة من المفاوضات. وتظهر التحركات الأخيرة عن أن دوافع ترامب تتجاوز مجرد حسابات السياسة الخارجية، إذ يبرز البعد الشخصي في رغبته بأن يُسجّل كبطل للسلام وينال التكريم الدولي، لكن ليس هذه السنة فالتقييم يقاس بإنجازات 2024.
وبيَّنت المصادر أنه فيما يتعلق بتسليم المحتجزين الإسرائيليين، وافقت «حماس» على «حل وسط» تقدم به الوسطاء بشأن تسليم جثث الأموات، بأن تشارك فرق من عدة دول منها مصر والولايات المتحدة وتركيا، في عملية البحث عن الجثث وتحديد أماكنها. وقالت المصادر إن الوفد الإسرائيلي وافق بعد مشاورات أجراها مع نتانياهو على ذلك، فيما لم تعارض «حماس» ووفد الفصائل المشارك بالمفاوضات مثل هذه الخطوة.
أو إن كان هذا المسار سيمهد في النهاية لقيام دولة فلسطينية. يخشى الفلسطينيون من تكرار التجربة نفسها التي حصلت خلال الاتفاق السابق المبرم في الدوحة في يناير الماضي، والذي تنصلت منه إسرائيل في مارس من العام نفسه. ونص اتفاق يناير 2025 على هدنة مؤقتة بدأت صباح 19 من نفس الشهر.
وتتضمن تبادل أسرى وتخفيفاً إنسانياً وترتيبات ميدانية محدودة كمرحلة أولى، على أن يبدأ خلالها التفاوض على المرحلتين الثانية والثالثة اللتين تضمنان إنهاء ملف التبادل وترتيبات اليوم التالي للحرب وإعادة الإعمار. لكن إسرائيل انتهكت المرحلة الأولى مع تبادل اتهامات بشأن قوائم المفرج عنهم وتسلسل التسليم، ومن ثم عادت إلى الحرب مجدداً.
المرحلة الثانية
ويجب حسب عدد من المحللين ألّا يقتصر الاتفاق على وقفٍ مؤقت للهجمات أو مجرد خفض وتيرتها والسماح بدخول كمية ضئيلة من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، بل عليه أن يُفضي إلى إنهاء جميع الأعمال القتالية ورفع الحصار بالكامل.
وتدفق الإمدادات الأساسية بما يشمل الغذاء والدواء والوقود ومواد إعادة الإعمار، بلا قيود، ويجب أن يتزامن ذلك مع انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة، والتحرك العاجل لإعادة إعمار وترميم البنى التحتية الأساسية في جميع أنحاء القطاع.
ولكن يجب أن يشكل اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة بداية لتحقيق السلام في المنطقة، وبداية لحل سياسي قائم على حل الدولتين. ومع استمرار دعم الوسطاء والمجتمع الدولي، يبقى الأمل في أن يشكل الاتفاق بداية لعهد جديد من التهدئة وإعادة الإعمار في غزة.
اقرأ أيضاً:
امتزاج الفرح بالدموع احتفالاً بوقف النار
