ومن هذه الأيقونة الفريدة التي تجسد رؤية دبي في أن تكون مركزاً عالمياً للحوار وصناعة المعرفة، كان لـ«البيان» هذا اللقاء مع المؤرخ والباحث العالمي الدكتور روي كاساغراندا، الذي قدم محاضرة في المتحف كشف خلالها كيف يمكن للدروس التاريخية أن تساعدنا على فهم واقعنا المعاصر وصياغة مستقبل مشرق.
ويُعدّ العصر الذهبي العربي والإسلامي المرحلة الرابعة من بين العصور الخمسة الكبرى التي شكّلت الحضارة الغربية.
وأسعى من خلال سلسلة المحاضرات هذه إلى استكشاف الأسباب التي جعلت هذا العصر يحتل مكانة محورية، آملاً أن يساعدنا ذلك على فهم أعمق للحظة التاريخية التي نعيشها اليوم، ومحاولة تخيل ما سنشهده في السنوات والعقود المقبلة انطلاقاً من (متحف المستقبل) الذي يُجسّد طموح المنطقة للمساهمة الفاعلة في مسيرة الحضارة العالمية».
فقد دعم الملك روجر الثاني ملك صقلية، العالم محمد الإدريسي، في حين أبدى الملك فريدريك الثاني ملك صقلية من عام 1220 إلى 1250 إعجابه بالفلاسفة العرب، متبنياً منهجهم العلمي، كما لعبت التجارة بين التجار الفينيقيين ونظرائهم العرب دوراً محورياً في هذا السياق.
ومن هنا جاء مصطلح (عصر النهضة)، بمعناه في (إعادة الإحياء)، التي لم تكن ممكنة دون الاستفادة من الإرث العلمي للعصر الذهبي الإسلامي.
ومن هنا فإن أعمال مفكرين مثل مكيافيلي، وبرونو، وباكون، وكبلر، وغاليليو، ونيوتن، قامت على أسس معرفية وضعها علماء عرب ومسلمون قبلهم بقرون.
وعلى سبيل المثال، ابتكر ابن الهيثم المنهج العلمي قبل باكون بستة قرون، وسبق كبلر في صياغة القانون الأول لحركة الكواكب، وعبّر عن القانون الأول لنيوتن، ومارس حساب التفاضل والتكامل قبل نيوتن بستة قرون.
تماماً كما قرأ العرب أعمال أرسطو وأفلاطون، فإن الحضارات لا تنشأ من فراغ، بل تبني على إرث من سبقها».
وعن أهم الدروس التي يمكن لشباب اليوم أن يستفيدوا منها من تلك المرحلة التاريخية، قال الدكتور روي كاساغراندا: «الدرس الأهم في هذا العصر هو كيفية بناء ثقافة مستدامة للابتكار وحل المشكلات.
في زمن تتسارع فيه التحديات، ويصبح استلهام روح العصر الذهبي الإسلامي ضرورة لتشكيل جيل قادر على التفكير النقدي والإبداعي».
كانت لديهم أحلام وطموحات ونيات تشبه ما نحمله نحن اليوم، وفهمهم لا يمنحنا فقط رؤية أعمق للواقع، بل يضفي على ثقافاتنا بعداً إنسانياً. وعندما نتأمل قصصهم، نراهم بشراً مثلنا، نتعلم من أخطائهم ونكرّمهم بالإنصات إلى رؤاهم».
نحن نرى ذلك يحدث، لكن ينبغي للجميع أن يتذكر أن مثل هذه الأمور تحتاج إلى وقت، والتزام، وكثير من الجهد.
وإذا أرادت مدن أخرى أن تحذو حذو دبي، فيجب أن تضع أمامها سنوات من الالتزام والرؤية والسياسات الذكية.
إن تقديم المحاضرات في متحف المستقبل، الذي يُجسّد طموح دبي في أن تكون مركزاً عالمياً للحوار الحضاري، يمنح هذه التجربة بعداً استثنائياً. إنه فضاء لا يكتفي بعرض الأفكار، بل يقدم بيئة محفزة لتشكيلها».
ومن خلال هذا التنوع، تنشأ فرص فريدة للتفاعل الثقافي. استثمرت قيادة الإمارات من خلال رؤيتها الطموحة مواردها في بناء جسور ثقافية وقنوات للحوار، وهو ما يجعلها اليوم منصة ملهمة للتقارب الحضاري.
وهذا أحد الأسباب التي دفعتني للانتقال إلى دبي، لأكون جزءاً من هذا المشروع الإنساني الكبير».