في إحدى القرى الفقيرة بمقاطعة آنهوي الصينية، وُلد طفل يُدعى
وانغ تشوانفو عام 1966.
لم يكن أحد يتخيل أن هذا الطفل اليتيم، الذي فقد والديه في سن صغيرة، سيقود بعد عقود واحدة من أكبر ثورات النقل والطاقة في العالم، وسوف تصل ثروته إلى 28.5 مليار دولار أمريكي، وفقاً لتقديرات «فوربس»، ليعد من أغنى أغنياء الصين.
عاش وانغ طفولة صعبة، تنقل بين أقارب وأصدقاء العائلة، وكان همه الأكبر أن ينجح في الدراسة ليغير واقعه، ومنذ أيامه الأولى أظهر وانغ شغفاً بالعلم، فكان يقرأ كل ما تقع عليه يده من كتب.
وعندما التحق بجامعة Central South University of Technology لم يكتفِ بدراسة الهندسة الكيميائية، بل كان يحلم بصناعة شيء يترك أثراً في حياة الناس.
بداية الحلم من البطاريات
بعد التخرج عمل في معهد حكومي للبحث في تكنولوجيا البطاريات، وهناك لاحظ أن الشركات اليابانية والكورية كانت تسيطر على صناعة البطاريات، بينما الصين لم يكن لها أي حصة تُذكر، فترك وانغ وظيفته المرموقة، وقرر تأسيس شركته الخاصة، شركة صغيرة سماها
BYD – أي «Build Your Dreams» (ابنِ أحلامك)، في شنتشن.
بدأ بمجموعة صغيرة من 20 شخصاً، وبقرض صغير من ابن عمه، حوالي 250 ألف يوان صيني في ذلك الحين.
ركزت BYD في البداية على صناعة بطاريات الهواتف المحمولة، والكاميرات الرقمية، لكن وانغ كان يحمل طموحاً أكبر بكثير من مجرد بطاريات صغيرة.
وتميزت BYD بنهج تصنيعي مبتكر، يعتمد بشكل أكبر على العمالة اليدوية بدلاً من العمليات الآلية المكلفة، التي كانت سائدة في اليابان.
هذا النهج جنباً إلى جنب مع الإنتاج الداخلي للآلات الرئيسية أسهم في خفض تكاليف الوحدة بشكل كبير مقارنة بالمنافسين اليابانيين.
اجتذبت طرق إنتاج BYD الفعالة من حيث التكلفة عملاء رئيسيين، بما في ذلك سانيو، فيليبس، باناسونيك، وموتورولا.
بحلول عام 2002 أصبحت BYD أكبر مصنع للبطاريات القابلة لإعادة الشحن للهواتف المحمولة في العالم.
قفزة نحو المستقبل
بحلول عام 2003 قرر وانغ أن الوقت قد حان للخطوة التالية.
اشترى شركة سيارات صينية متعثرة، وكان حلمه أن يحول العالم إلى السيارات الكهربائية. لم يكن أحد يصدقه وقتها، إذ كانت السيارات الكهربائية تُعتبر فكرة بعيدة المنال، لكن وانغ كان يرى المستقبل بطريقة مختلفة.
وكان وانغ تشوانفو مقتنعاً بأن مستقبل النقل يكمن في الحلول المستدامة والصديقة للبيئة.
استغلت BYD خبرتها القوية في تصنيع البطاريات لدخول سوق السيارات الكهربائية. في عام 2005 أطلقت BYD أول سيارة لها، BYD F3، وهي سيارة مدمجة حققت نجاحاً كبيراً في السوق الصينية.
في 2008 جاء دعم غير متوقع من الملياردير الأمريكي وارن بافيت، أحد أذكى المستثمرين في العالم، ضخ 232 مليون دولار في شركته. كان هذا بمثابة شهادة ثقة عالمية برؤية وانغ.
من الحلم إلى الإمبراطورية
اليوم، تقف BYD على قمة صناعة السيارات الكهربائية، متفوقة في بعض الأسواق على شركات عملاقة مثل «تسلا». سياراتها وحافلاتها الكهربائية تغزو شوارع الصين وأوروبا وأمريكا، بينما تواصل الشركة تطوير بطاريات مبتكرة تعتبر قلب الثورة الخضراء.
وانغ تشوانفو، الذي بدأ حياته يتيماً وفقيراً، أصبح اليوم مليارديراً يلقب بـ «إيلون ماسك الصين»، لكنه لا يرى نفسه مجرد رجل أعمال، بل يعتبر أن مهمته الحقيقية هي «بناء المستقبل»، كما يعكس شعار شركته.
واصلت BYD الابتكار، حيث قدمت سيارات مثل BYD e6 (سيارة أجرة كهربائية شهيرة) وBYD Tang (سيارة SUV هجينة قوية). لعبت تقنية «Blade Battery» الرائدة من BYD، والتي تشتهر بكونها أكثر أماناً وفعالية، من حيث التكلفة وتدوم طويلاً، دوراً حاسماً في صعود الشركة.
اليوم، تعد BYD واحدة من الشركات الرائدة عالمياً في تصنيع السيارات الكهربائية (EVs)، والمركبات ذات الطاقة الجديدة (NEVs)، وتنافس عمالقة صناعة السيارات على مستوى العالم.
بفضل رؤية وانغ تشوانفو الثابتة والتزامه بالابتكار تحولت BYD من شركة صغيرة لتصنيع البطاريات إلى قوة عالمية تدفع ثورة السيارات الكهربائية.
إصرار على التميز
قصة وانغ تشوانفو تذكير قوي بأن الأحلام الكبيرة تولد غالباً من رحم المعاناة، وأن الإصرار على التميز يمكن أن يحول طفلاً فقيراً إلى قائد لثورة صناعية تغير العالم.