العالم يشعر اليوم بضرورة الأمن والتعاون الإنساني

المستشار الديني بديوان ولي عهد أبوظبي لـ«البيان»: الأخوة الإنسانية استراتيجية إماراتية متميزة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد الدكتور فاروق محمود حمادة، المستشار الديني بديوان ولي عهد أبوظبي لـ«البيان»: «إن وثيقة الأخوة الإنسانية هي رؤية استراتيجية إماراتية متميزة، قد أصبحت طفرة تاريخية أزالت الهوة العميقة بين الأديان والحضارات، ومدت جسوراً قوية للتعاون الإنساني والمستقبل البشري الآمن».

وأضاف أن العالم، اليوم، يشعر أكثر من أي وقت مضى بضرورة الأمن العالمي والتعاون الإنساني، الذي عجزت عن الوصول إليه المبادئ، التي وضعتها المنظمات الدولية كعصبة الأمم أو هيئة الأمم المتحدة، وأصبح البحث عن الأمن والاستقرار مطلباً إنسانياً كونياً، ولن يتحقق ذلك إلا بالسلم بين الأديان، ولن يتحقق السلم بينها إلا إذا اتفقت على المبادئ الكبرى الإنسانية، وأهمها المساواة بين البشر، والعدالة بين جميع البشر.

تكنولوجيا

ولفت المستشار الديني بديوان ولي عهد أبوظبي إلى أن التداخل الكبير، الذي حصل بين البشر في العقود الأخيرة، ولا يزال في ازدياد على كل المستويات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وقد سرّع بذلك فورة التكنولوجيا، التي اختصرت المسافات، وجعلت كل واحد في أرجاء العالم يعيش يومه مشتركاً مع الآخرين، وهذا أمر إيجابي للحاضر والمستقبل، ولكن التكنولوجيا التي قاربت بين البشر أفرزت كذلك خطراً كبيراً على الإنسانية والعالم، ألا وهو السلاح المدمّر، ومن يطّلع على ما أُنتج من الأسلحة خلال السنين الثلاثين الماضية يصاب بالرعب لخطورة هذه القوة التدميرية، التي أصبحت بيد الإنسان.

وأفاد بأن هذه القوة التدميرية لو انطلقت أو انطلق بعضها فلن يكون أثرها محصوراً على فئة معينة واحدة، دينية أو ثقافية أو عرقية أو جغرافية، بل ستشمل الجميع، لأن الفعل له رد فعل، وبالتالي ستكون التكاليف بأنواعها باهظة الثمن على الناس جميعاً، وهذه الإمكانات التدميرية تتزايد يوماً بعد يوم وبيد الجميع، وعلى مستويات مختلفة، ولن تتوقف في المدى المنظور، وهذا هو الخطر الذي جعل البرّ والبحر والجو تحت رهبته وتهديده، ومن المؤكد أن سياسة القوة تؤدي إلى العنف، والعنف المضاد والعبرة أن القوة لن تحل يوماً مشكلة قائمة، بل كانت هذه السياسات تزيد في اشتعالها وتمديدها.

ثقافات

وتابع: «لقد وجد الفكر المعاصر وخصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية نفسه أمام طريق مسدود، ولم يستطع أن يقدم للإنسانية ما يهدئ من روعه أو يخفف من معاناته الروحية والفكرية والجسدية، فانبعثت المشاعر الدينية فجأة في جهات عديدة من العالم كونها ملاذاً للإنسان، ونشطت الحركات الدينية في الشرق والغرب، وحصل احتكاك بين الثقافات والأديان، وكان في كثير من جوانبه سلبياً، وسعت منظمات دينية وأكاديمية بمحاولات للحوار، الذي بدأ سنة 1893 بشيكاغو، وعقدت عشرات الاجتماعات واللقاءات بين عالم الإسلام والمسيحية، باعتبار التاريخ المشترك بينهما والتداخل الجغرافي والصدامات، التي كانت في القرون الماضية والحاضر، وباعتبار العدد البشري الأكبر للدينيين في العالم، ولكن هذه اللقاءات لم تسفر عن شيء كثير، وقد تجاوز عددها المئات، ولكنها هيأت الأرضية لدى بعض الباحثين والمفكرين، وعدم تأثيرها الكبير جاء من بعدها عن مراكز التأثير الاجتماعي والسياسي والرهبة لدى الداعين لذلك من التيار المضاد هنا وهناك».

وقال: «الحق يقال إن القيادة الدينية في الفاتيكان قد اتخذت خطوات إيجابية تجاه الإسلام خاصة والأديان الأخرى، وخصوصاً في مجمع أعمال الفاتيكان الثاني، الذي انطلق سنة 1962م، وخرج بوثيقة تحمل عنوان (في عصرنا)، وقد جاء في إحدى منشوراته: (يشهد المؤمنون المنتمون إلى مختلف الديانات الواحد أمام الآخر في الحياة اليومية عن قيمهم البشرية والروحية، ويتعاونون بها على الحياة؛ ليؤسسوا جماعة أكثر عدلاً وأكثر أخوة) من رسالة الفادي للبابا يوحنا بوليس الثاني 1995».

منشورات

وأضاف: «لكن هذه اللقاءات والمنشورات لم تكن ذات تأثير داخل الفضاء المسيحي ولا الفضاء الإسلامي، بل برز الصدام كبيراً خلال العقود الثلاثة الماضية، إما بالإساءة إلى عقائد المسلمين ومقدساتهم، وإما بالهجوم على رموز معينة داخل الفضاء المسيحي، وقد أكد ذلك ما تواجهه البشرية اليوم من أوبئة «كورونا» وغيرها التي لا تفرق بين البشر، وانهيار المنظومة الاقتصادية العالمية، التي تنعكس على جميع الدول والشعوب، وإن الإقرار بهذين المبدأين- وهما موجودان في جميع الأديان- عملياً ونقلهما إلى الممارسة هو الأساس الصحيح لمستقبل آمن، وقد أصبح الأمر مستعجلاً، ولا يكون التطبيق العملي إلا بإقناع فكري ورسوخ إيماني، وهنا جاءت (وثيقة الأخوة الإنسانية)، لتكون محطة بارزة في تاريخ الأديان والفكر الإنساني، جاءت لتثير كوامن الفطرة والإيمان لدى البشر جميعاً وخصوصاً المسلمين والمسيحيين، فقد جعلت الوثيقة التساوي الإنساني مرتكزاً لها (بسم الله الذي خلق البشر متساوين في الحقوق والواجبات والكرامة)، وبذلك تقر نهاية أسطورة التفوق الثقافي والعرقي والجغرافي، التي لا تزال بعض الجهات تتعامل بها، وذلك على المستوى العالمي، فالإقرار بالمساواة الإنسانية أمر له أهمية كبيرة في المستقبل للأمن والتعايش».

وثيقة

وتابع المستشار فاروق حمادة: «جعلت الوثيقة العدالة بين الناس مرتكزاً ثابتاً لتحقيق ما تصبو إليه الوثيقة من تحقيق السلام العالمي والعيش المشترك (إن العدل القائم على الرحمة هو السبيل الواجب اتباعه للوصول إلى حياة كريمة يحق لكل إنسان أن يحيا في كنفها)، مؤكداً أن العدالة ونبذ الظلم إحدى أهم مشكلات العالم المعاصر، فغياب العدالة بواسع معانيها جعل نصف سكان العالم يعيشون من دون تعليم أو سكن أو مجاعة أو تخلف واضطراب، هذا النصف يرى في وسائل الإعلام المتاحة له عن قصد عالماً آخر من الرفاهية والعيش الباذخ؛ ما يبعث في نفوس المحرومين والبؤساء وعقولهم شتى أنواع العنف والإرهاب، ولقد ازداد الوعي عند البشر بالمبادئ الإنسانية الكبرى والمفاهيم المشتركة وضرورة التواصل، فجاءت وثيقة الأخوة الإنسانية لتنزع المسوغ الديني لاختلال هذه العدالة والتفاضل بين البشر». وأوضح أن الأغلبية الساحقة من البشر يتطلعون إلى تحقيق العدالة، وستكون إحدى الموضوعات الأساسية لاستقرار الأمن العالمي في القرن الحادي والعشرين متكئين في ذلك على البعد الديني والواقع البشري، ولن تنهض العدالة إلا على أساس المساواة بين جميع البشر أبناء آدم.

طريق

وبيّن أن ما نشهده اليوم من هزة اقتصادية عالمية جعلت الباحثين والمفكرين والمسؤولين في العالم كله يفكرون في ما هو آت، وأن (وثيقة الأخوة الإنسانية) قد فتحت طريقاً جديداً أمام البشرية، وتلقى دعماً من القيادة الرشيدة وخصوصاً من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الذي بذل الكثير من الجهد والوقت للوصول إليها، وليكون لها التأثير الفعال يتطلب ذلك جعلها تياراً فكرياً عالمياً يتبناها المفكرون وأصحاب الدراسات الدينية كما نصت الوثيقة نفسها، وتتبناها المنظمات ذات التوجه الفكري والحضاري والإنساني، وهي كثيرة بالآلاف في جميع أرجاء العالم.

تحالف

قال الدكتور فاروق محمود حمادة، المستشار الديني بديوان ولي عهد أبوظبي : «لقد بدأنا نسمع من هنا وهناك أصواتاً دينية ترفض الصدام بين الحضارات، هذا الصدام الذي يولد الحروب والعنف بناء على الاختلافات الثقافية والدينية، وهذه الأصوات الراشدة تدعو إلى تحالف إنساني يتبنى القيم، ويحارب أسباب العنف والإرهاب العميقة في الفكر والاقتصاد، من فقر وجهل ومرض واستهانة بالكرامة الإنسانية».

 

اقرأ أيضاً:

ـــ محمد بن زايد شجاعة تاريخية لسلام العالم

ـــ صحف عالمية: تطور إيجابي يبني أساساً لدبلوماسية المستقبل

ـــ الإمارات أسّست سلاماً يرمي لتحقيق استقرارٍ دولي

Email