إبداع أدبي يتغنى بالأصالة وفضائل الخيل

ت + ت - الحجم الطبيعي

«أُمَّةْ الخيلْ»: بهذا الاستلهام القرآني الفريد من كتاب الله تعالى يفتتح صاحب السموّ وشيخ الفرسان وسيّد القوافي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، هذه القصيدة التي تخطف القلب، وتتربّع مثل أميرةٍ جليلة على عرش القصائد حين ينظر بعين بصيرته الشعرية المتوقدة إلى قوله تعالى في وصف هذه العوالم الفريدة {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم} (الأنعام:38)، ليبدأ في وصفٍ للخيل بديعٍ لا يتقنه إلا سموّه الذي قد شغفته الخيل الأصائل حُبّاً، وسكنت من قلبه مكاناً لا يهتدي إليه إلا بصير بالشعر ومضايقه، وفنون الكلام وفرائده.

شوق

والخيل هي قصة عشق في حياة سموّه، وليست أفراساً وأحصنةً محجوزة في الإسطبلات، بل هي أرواحٌ مُكرّمة، تعرف صاحبها ويشتد صهيل الشوق في جنباتها، وتُحمحمُ فرحاً وجَذلاً حين ترى مُحيّاه من بعيد، فهو فارسها وعاشقها، وراعيها ومدلّلها، وكم كتب من القصائد الرائعة في حب الخيل والفخر بها، حتى استحق موضوعُ الخيل أن يكون ديواناً برأسه لا يقلّ فخامة وشأناً عن موضوع الوطن، والظباء السارحات الفاتنات للروح الموجعات للقلب، فعلى هذه الثلاثية البديعة تقوم تجربة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الشعرية، صاحب القامة الفارعة، والسيف المرهف والحرف الأنيق.

الخيلْ دولهْ وفيها حاكمْ ومحكومْ

والخيلْ أُمَّهْ لها مثلْ الأُمَم سلطانْ

ولها سلالاتْ تملكْ عرقِها محشومْ

وبها علاماتْ معروفهْ لهَلْ العرفانْ

بهذا المطلع الفخم الجليل يؤكد سموّه فخامة شأن الخيل، وأنها ليست دوابّ مهملة سارحة في البراري، بل هي من أقرب المخلوقات إلى قلب الإنسان الذي يحبها ويعتني بأصولها، ويرى في حياتها نظاماً فريداً، ومَن مثل أبي راشد في عمقِ الشعور بقيمة النظام، وهو الذي صُنِعتْ على عينه «دُبيّ» لؤلؤة الدنيا، ومدينة النظام والتحضر، فحين ينطق سموّه بكلمة الدولة فهي تعني الكثير الكثير، وههنا يقرر سموّه أن للخيل دولةً وسلطاناً يحكمها ويرتب شؤونها ارتفاعاً بها عن مرتبة الحيوانية وارتقاء بها إلى مرتبة العقلاء، فهي شريفة السلالات، ومنذ أيام العرب الأولى كان للخيل القدح المُعلّى في حفظ شرف النسب، حتى كتب بعض العلماء، وهو الإمامُ الكلبيُّ، كتاباً متميّزاً سماه (أنساب الخيل) فيه من أخبار عناية العرب بشرف نسب الخيل وصيانتها عن التهجين ما يُبهر القلب، كيف وقد نزل الكتاب العزيز برفع شأن الخيل! فأعراق الخيل مصونة محشومة، على حدّ تعبير سموّه، وعلامات أصالتها معروفة لأهل البصيرة في علوم الخيل من العرب الأقحاح الذين أحبوا الخيل حباً ملك شِغافَ قلوبهم، وجعلهم يفضلونها على كل غالٍ ونفيس، فهي لا تقل شاناً عن اهتمامهم بأنسابهم الصريحة الشريفة، ولمعرفة نسبها أناس هم أهل العرفان بها والحفاظ على شرف محتدها.

مِــنْ يِـكرمْ الـخيلْ عـندْ الله غـدا مـكرومْ

ومــنْ هـانـها لــوُ عـزيـزٍ بـعدْ عـزِّهْ هـانْ

تـاريـخـها مــثـلْ تـاريـخْ الـبـشَرْ مـعـلومْ

إيـدوِّنـونـهْ هَـــلْ الـعـلـمْ وهَـــلْ الـعـرفـانْ

في الغربْ والشَّرقْ تلقىَ وصفها مرسومْ

حـتَّى عـلىَ إكْـهوفْ مِـنْ لكهوفهمْ سكَّانْ

وهذا لعَمْرُ الحق هو عين الحق ومعدن الصدق، وكيف لا يكون ذلك كذلك وقد صحّ عن المصطفى، صلوات ربي وسلامه عليه، أنه قال: «الخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ»، فهل بعد هذا الشرف من شرف؟! وهل بعد هذا المجد من مجد؟! وقد أقسم الله تعالى بها تمجيداً لأمرها وبياناً لعظمتها وفخامة شأنها، فقال سبحانه: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا } في وصفٍ بديعٍ لم يظفر به سوى الخيل في كتاب الله تعالى. وقد كان النبي سليمان عليه السلام شديد الحب للخيل، وكان من قصته معها ما هو معروف مسطور في كتب التفاسير.

عزّة وشرف

وفي هذين البيتين الرائعين يؤكد سموّه عزّة الخيل وشرف قيمتها في النفس الإنسانية، وأنها لا تكون إلا مكرّمة في ميزان الفرسان الشجعان الذين يعرفون تكريم الله لها، فهم يتطلعون إلى هذا التكريم لهم حين يكرّمون ما أثنى الله عليه، ويخافون من الإساءة إليها، لأن عاقبة السوء لا تكون إلا بمثلها، فمَنْ أذلّ الخيل وأهانها فهو الذي يرتقب الإهانة ولو طال الزمان، فهي السلالات المكرّمة والأنساب النقية التي دوّنها أهل العلم والمعرفة الصحيحة بها، مؤكداً سموّه أن شرف الخيل شرف إنساني تعتني به جميع الأمم القوية، وتحتفظ بأرقى السلالات مهما كانت درجة رقيّها الحضاري، يستوي في ذلك من يسكنون المدن في الشرق والغرب ومن يسكنون الكهوف من الشعوب البدائية التي تعشق الخيل وتعرف قدرها وقيمتها العالية.

الــعـزْ والـنـصرْ فـيـها بـخـتمها مـخـتومْ

هــي لـلـفتوحاتْ وأهــلْ الـمـرجلهْ عـنـوانْ

بــديــتْ مــعـهـا بـصـبـايهْ لازمْ ومــلـزومْ

وعـلىَ ظـهرها آتـحدَّى وأسـبقْ الفرسانْ

نور

ويا لروعة هذا الإحساس الجيّاش بالحب والتعظيم للخيل ودورها العظيم في صناعة الحياة، فعلى ظهر هذه الجياد المُطَهّمات اندفع فرسان الجزيرة العربية الشجعان وحملوا لواء النور والقرآن، ويخوضون على ظهورها أشرف المعارك التي خاضتها الإنسانية، فهم لم يخرجوا طمعاً في خيرات الشعوب ولا حُبّاً في استعبادها، بل خرجوا فاتحين للقلوب قبل البلاد، يضيئونها بأنوار الكتاب، وينشرون لواء العدل والحرية بين الشعوب، فكانت الخيل هي عنوان كل الفتوح، وظلت وستبقى عنواناً للفروسية والمرجلة والشجاعة التي لا يمكن تزييفها وادعاء أدوارها، لأنّ الخيل الحرة الأصيلة لا تقبل إلا فرسانها الشجعان، الشجعان الذين رضعوا حبها منذ الطفولة مثل صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي يهيم فيها عشقاً منذ الصِّبا، وقد شكلت الفروسية أحد العوامل المهمة التي ساهمت في تعزيز روح التحدي لدى سموه بحيث بات لا يقبل إلا الفوز المظفّر في طليعة الفرسان، أوّلاً لا ثانياً.

مـــرابـــطٍ خــلِّــفـوهـا تـــخَّـــةْ الــمـكـتـومْ

أهــلْ الـشَّـرَفْ وأكـرمـوها سـادةْ نْـهَيَّانْ

يـامـنْ سـألْ عَـنْ هـواها لا عـداكْ الـلِّومْ

عـندي غـلاها مـخلَّفْ مِـنْ جـديمْ أزمـانْ

والفارس الأصيل هو مَنْ تحدّر إليه الشرف من جبال العزّ والبسالة، وصاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم هو سليل أهل الشرف والفروسية من آل مكتوم، فهو في الصميم من نسبهم العالي، وهم من سادات الجزيرة كابراً عن كابر، فجَرَتْ في عروقه دماء الشّرف والأصالة، ثم ازداد الشرف شرفاً بهذه العلاقة الفريدة التي تجمعه بآل نهيّان الكرام، الذين اجتمعت القلوب على حبهم وطاعتهم منذ أن بزغ نجم والدهم في سماء الإمارات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيّان طيب الله ثراه، الذي قدّم للوطن ما لا تستطيع الذاكرة نسيانه لو أرادت ذلك، وحلّق في سماء البلاد نسراً شامخاً تعلّم منه الفرسان كيف تكون الفروسية، وكيف تكون الأخلاق.

علاقة

ثم كانت الخاتمة الشجية العذبة الكاشفة عن رقّة مشاعر سموّه وعمق علاقته بالخيل الأصيلة، فإذا هي علاقة قديمة ضاربة في شعاب الزمان، ولا تزداد على مرور الأيام إلا رسوخاً وتمكّناً في قلبه المعمور بالحب والفخر والحنين للجمال والفروسية والشعر الذي سيكون ديواناً لمجدنا ومرآة صادقة لمفاخرنا وأجمل أغانينا.

يا فارس الكلمات، يا عاشق الخيل الكريمات: هنيئاً لك هذا القلب الذي يتسع للوطن ولأهله وللخيل والظباء الساحرات.. أشهد أنّك فارس وسيد الفرسان.

اقراء ايضاً

محمد بن راشد: «أُمَّةْ الخيلْ».. العزّ والنصر بختمها مختومْ

Email