رأي البيان

حامل قبس الحداثة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كوقع نجم هوى، حل نبأ وفاة عبدالله تريم على المجتمع الإماراتي بأسره. بما أن الأشجار تموت واقفة جاء النبأ مباغتاً. هذا اسم لرجل صاحب وجه وطني وضيء يظل يبرق في ذاكرة الإمارات.

هذا رجل ظل يحمل قبس التنوير في أروقة المجتمع ودروب الوطن منذ كانت عتمة مبهمة منبهمة. وهو رجل ظل في كل ذلك مثقلاً بهموم بنات وأبناء شعبه وطموحاتهم.

عبدالله عمران في عداد نخبة مستترة في جيل تجشم مهام إرساء ونشر البنى التحتية لمجتمع الحداثة وقيمه الجديدة، وكان بين قلة من هؤلاء متسلحين بفكر وطني يتجذر في وعي قومي عينه على الحرية والعدالة. وظل عبدالله عمران قابضاً بكلتا يديه على حجر هذا الالتزام، وهو يمارس دوره ناهضاً بأعباء تنشئة الأجيال مدرساً ومربياً ووزيراً وناشراً وصحافياً ورجل أعمال. وظل الرجل في عين كل من اقترب منه تلميذاً ومعاوناً وزميلاً بمثابة الأستاذ المعلم المتمكن من نقل فكره وتجربته وفرض شخصيته ومنهجه في سلاسة، كما انتزاع التقدير والاحترام.

فرضت الأقدار والظروف على عبدالله عمران ونخبة مجايليه خوض غمار جدل وطني مكثف في كيفية النهوض من تحت تركة الاستعمار إلى جدل تكريس الاستقلال. وكان الراحل المقيم بين ثلة تعهدت إشعال قبس الفكر وحمله لإضاءة المسالك، فساهم مع شقيقه الراحل تريم في إصدار «الخليج» والنهوض بها من صحيفة يومية ــ وكانت تلك مغامرة بالغة الجرأة في محيطها الزماني والمكاني ــ قادرة على الإخبار والإبلاغ إلى دار نشر عملاقة ومدرسة صحافية ومؤسسة فكرية تجاوزت أشعتها الحدود لتضيء رقعة واسعة على امتداد الوطن العربي.

بما أن عبدالله عمران تريم ظل بين كوكبة من المثقفين المؤمنين بأن المستقبل وليس الماضي يمثل العصر الذهبي، فقد ظل الرجل مهجوساً بصناعة التاريخ من بوابة المستقبل، لذلك لم يكن غريباً أن يكتب أطروحة دكتوراته في التاريخ الحديث.

ليس ثم جملة أخصب بلاغة وأكثر جماعاً في حق الراحل من قول رجل في مقام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد حين يقول في حق الراحل «فقدت اليوم أخاً عزيزاً وصديقاً وفياً عرفت فيه مكارم الأخلاق وشجاعة الرأي».

Email