لا يختلف اثنان في فوائد السفر، وحجم المتعة المترتبة على الترويح والاكتشاف الحاصل بفضل الانتقال إلى مجتمعات وشعوب ومناطق مختلفة عما اعتاد عليه المرء وعايشه.

وقيل قديماً إن للسفر خمس فوائد، فكانت تلك الفوائد الخمس أهدافاً في حد ذاتها، يسعى إليها الراغبون لاغتنامها والتمتع باكتسابها، مهما كلفهم الأمر، حيث ندرة وسائل النقل، ووعورة الدروب، ومخاطرها لم تشكل عائقاً أمام إرادة المعرفة، بل كانت تلك الفوائد القديمة عوامل إغراء.. قد يسعى إليها الراغبون مشياً على الأقدام لمسافات طويلة، ولعل الشكل الوحيد لوسائل السفر كان عبر البحر بالقوارب أو ركوب الدواب.

ولكن مع التطور البشري أنشئت الدروب للسفر ولنقل البضائع على ظهور الجمال والخيول والثيران والحمير من مكان لآخر. وفي وقت لاحق استخدمت العربات، وعُبّدت الطرق. وفي الحضارة الإسلامية، تم بناء العديد من الطرق في جميع أنحاء الخلافة الإسلامية، وكانت تلك الطرق أكثر تطوراً ونمواً عن مثيلاتها في غيرها من البلدان، وخاصة تلك التي في بغداد العراق، وأغلبها انتقل عبره المنتوجات العربية والبضائع والثقافة الإسلامية والمعرفة والعلوم إلى أقطاب المعمورة كافة.

وبتطور النقل الآلي، بدأت تمتد في بداية القرن العشرين الطرق المعبدة باستخدام القطران والأرصفة الخرسانية، الأمر الذي بات مشجعاً أكثر للانتقال والسفر ولارتياد الآفاق سعياً وراء تلك الفوائد الخمس القديمة، والتي ذكرها الإمام الشافعي، رحمه الله، غير أنه ذكر معها أضرار السفر أيضاً فقد قال: (تغرَّبْ عن الأوطان في طلب العلا/ وسافر ففي الأسفار خمس فوائد، تَفَرُّج همٍّ، واكتساب مــعيشة/ وعلم، وآداب، وصحبة ماجد، فإن قـيل في الأسفار ذُلٌّ ومحنـة/ وقطع الفيافي وارتكاب الشدائد، فـموت الـفتى خير له من قيامه/ بدار هوان بين واشٍ وحـاسد).

فالفوائد الخمس القديمة إذن هي.. انفراج الهم والغم، اكتساب المعيشة، تحصيل العلم، تحصيل الآداب، صحبة الأمجاد. وهي أسباب لا تزال قائمة حتى اليوم، ولا تزال الدوافع الأساسية للسفر والترحال، فهل يا ترى بقيت فوائد السفر خمساً، أم أنها زادت وفق معطيات العصر، وهل توقفت أضرار السفر عند ما ذكره الشافعي؟!

لا شك في أن الفوائد من السفر اليوم تعاظمت وتنامت، بالرغم من أن الفوائد القديمة هي الأساس والمرتكز، وتبقى وجهات السفر في هذا العصر متنوعة ومتعددة ومتنامية بلا هوادة، مع تنامي الاحتياجات التي لا تحدها إلا عدم توفر الاستعداد الفردي الذاتي، وهو الأمر الذي قد يتلاشى مع تطور وسائل النقل والمواصلات أكثر فأكثر من الوسائل البدائية بالسير على الأقدام وامتطاء الدواب، إلى التقليدية.. من قوارب وعربات وسيارات وقطارات، ثم الجوية الطائرات والمناطيد لنصل اليوم إلى الترويج للسفر إلى الفضاء عبر المركبات الفضائية.

 وهناك من بدأ فعلاً بحجز مقاعده على المركبات منذ بدء الترويج للرحلات قبل بضع سنوات. ولعلها فوائد كونية لكنها لم ترد في بال القدماء ممن قننوا فوائد السفر إلى حين. فهل ستشهد هذه الرحلات منافسة كما تشهدها شركات النقل والمواصلات المعروفة؟ وهل يا تُرى سيستوعب مسافرو الفضاء الفوائد المفترضة أو المطروحة؟ ومـا هي تلك الفوائد الجديدة على الكوكب؟ وكم ستزيد؟! ولعل الانتظــار هــو سيــد الإجابــة.