ذكرنا في هذه الزاوية أن الفتوى تعتبر من الأمور التي لا غنى للمسلم عنها في جوانب حياته المختلفة من عبادات ومن معاملات وأعمال، وفي سبيل المعرفة فإنه يطلبها ممن يجد فيه سمة التدين أو العلم الديني أو إدراك بعض الأحكام، وهناك البعض ممن يتحرى العلماء والفقهاء الذين يثق في أحكامهم وفتاويهم المستمدة من الطرق الصحيحة للفتوى من الكتاب أو السنة أو الاستنباط والاستدلال، ومنهم من يطلبها من الدعاة أو الأئمة لا لشيء إلا لحاجته الفعلية لها.
وبالرغم من تطور المجتمعات ووجود الوسائل العلمية للحصول على الفتوى من راديو وتلفاز وانترنت وخاصة في الأمور البسيطة إلا أن للعلماء وللفقهاء دوراً كبيراً ومكانة أكبر لدى الناس يلجأون إليهم مباشرة أو عن طريق غير مباشر من خلال الهواتف للاطمئنان إلى ما سيقومون به من عمل تعبدي أو عمل تجاري.
وهكذا العلماء على الدوام عملة لا أقول نادرة بل هم عملة ثمينة يحتاج إليها الناس على الدوام، وهذا من فضل الله على هؤلاء العلماء الذين فضلهم على كثير ممن خلق تفضيلا بعلمهم وبأعمالهم، وهم أهل الذكر الذين ذكرهم الله في القرآن بقوله سبحانه ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).
وإذا كان احتياج الناس للفتوى جعلهم يسارعون في الاتصال بالعلماء أو المتفقهين أو غيرهم من دعاة لا يملكون أدوات الفتوى فقد كان لذلك تأثير سلبي رأيناه في تعدد منابع الفتوى واختلافها من عالم لآخر، وتوجه عدد من الفضائيات نحو برامج دينية تعتمد على الإثارة المنبثقة من اختلاف وجهات النظر على الهواء دون ضابط أو رابط أو احترام وجهة النظر الأخرى المغايرة، وإن كانت صحيحة.
وبتزايد هذه المنابع ظهرت دعوات ومؤتمرات وندوات كلها تدعو إلى توحيد مصادر الفتوى وإبعاد غير المتخصصين عن هذه المسألة الجوهرية في حياة الناس، وتعيين المجمعات والمؤسسات التي يناط بها الفتاوى خاصة الفتاوى التي يترتب عليها مسؤوليات وأعباء، ومخاطبة المسؤولين عن الفضائيات في عدم الاستعانة بأي أحد للتصدي للفتوى.
وفي الأسبوع الماضي أعلن الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس لجنة الشؤون الدينية في مجلس الشعب المصري عن إحالة جميع فتاوى دار الإفتاء التي صدرت أخيرا إلى مجمع البحوث الإسلامية، لإبداء الرأي بشأن صحتها والاعتداد بها، وأكد أن دار الإفتاء اتخذت هذا القرار أخيرا بعد انتشار ظاهرة فوضى الفتاوى، وأضاف أن التصديق على هذه الفتاوى سيدحض البلبلة التي شاعت داخل المجتمع في الفترة الأخيرة.
وهذا جزء مما نود أن نراه في العالمين العربي والإسلامي لتكون الفتاوى وإصدارها أكثر تنظيما، وأن لا يكون إطلاقها إلا ممن يشهد لهم بالكفاءة والعلم، أو من مجامع الفقه والبحوث المنتشرة والتي تعج بالعلماء والفقهاء المتميزين.