الذاكرة الشعبية عماد نبع مهم من ينابيع التراث الثقافي، فهي بمثابة المصنع للتراث، تتم فيها صناعة أنماط جديدة من التراث و أدبياته، في الحياة العامة تتبع التقاليد بشكل دقيق و نمطي، لكن الخروج على التقاليد لا يدوّن إلا في ثنايا الذاكرة الشعبية. في هذه الإطلالة سوف نستعرض واياّكم بعض ما سجلته الذاكرة الشعبية، والذي يعتبره الكثير من الباحثين من هوامش التراث، فهم لا يعدونه في متن التراث إلا فيما ندر. عنواننا هو شعبيات عبر محطات، في كل جانب سنتناول موضوعا مختلفا حول معطيات الذاكرة ومخزوننا منها، في هذه المساحة تتنوع الموضوعات، وتتوالى اسماء الشخصيات التي تستعرضها.

شما كانت تلعب القحيف نادتها أمها وطلبت أن تبقى في البيت لأنه سوف يأتي إليهم أناس لخطبتها. كانت مفاجأة للطفلة ذات الحادية عشرة سنة، فلم تفهم إلا أن عليها الجلوس في البيت، ذلك يعني حرمانها من اللعب مع ربيعاتها. قامت خالتها بتجهيزها وألبستها الكندورة المزراية والشيلة الوسمة وعطرتها بالعطور العربية.. الحنه والعنبر ودهن العود، و(دخنتها) أي بخرتها بالعود، ولم تكن تعلم انها على خطوات من (العرس) الزواج.

الوَرس والنيل

بعد تعارف الأهل، وبعد القبول والايجاب في الاسرتين، بدأت أم العروس تعد ابنتها او صغيرتها والتي حتى تلك اللحظة لا تدرك معنى الزواج. ففي بعض الأحيان تبدو فرحة وأحيانا مندهشة، من هذا الاستعداد. فأولى الخطوات الاعتناء بالجسم وطلائه بالورس والنيل لكي تبدو البشرة أكثر بياضاً، ثم دعك الأسنان بـ (الفحم) للتبييض، وصولا إلى شعر الرأس حيث يوضع عليه (البضاعة) وهي نوع من الورد المجفف والمسحوق، وتسمى (بضاعة لاحول) كما يجهز (المْحَلَبْ) وهي بودرة من الزعفران يوضع فيها عطر الزعفران وتصب على رأس المرأة من الأمام حتى تتخلل الشعر كاملا، ثم تعمل لها ظفيرتان وتعلقان إلى الخلف وتسمى (شونقي).

المطارح وتجهيز التلي

ذاع خبر استعداد شما للزواج وبدأت السيدات بإعداد كل ما يلزم لتجهيز الفتاة للزفاف ومنها (الزهاب) المطلوب (للزفة) حيث تعد (المطارح) وهو فراش الزوجية حيث تجهز أكثر من مطرح، وبعد خياطتها تبدأ السيدات في تعطير وتبخير الفرش ثم تبدأن بإعداد الملابس من (الكندوره المخورة أو بوطيرة، والثوب الميزع، والسروال بوبادلة والشيلة المنقدة بالفضة، والسويعية) تلك كانت الملابس التي تلبس للزفاف مثل الجلابية (الكندوره) والسروال هو ماتلبسه المرأة تحت ثوبها ليغطي ساقها و(السروال بو بادلة) يحمل نقوشاً في آخره والثوب الميزع هو المطرز بخيوط قطنية وملونة وفضية، وقد يقسم إلى عدة أنواع وألوان والشيلة المنقدة تحمل نقوشاً فضية وتبرز أناقة المرأة، اما السويعية فهي غطاء لكامل العروس حين تدخل على زوجها تتغطى بها.

المكسار

لا تزال حفلة (المكسار) تحتفل بها السيدات إلى الآن وإن اختلفت الطريقة لدى البعض، ولكن يبقى للمكسار طريقته في إعداد وعرض (الزهبة) التي كانت تجلب للعروس كهدايا من قبل الزوج وأسرته، ومنها يتم تجهيز الفتاة العروس من قبل سيدات من أسرتها أو من المختصات، وذلك قبل الزفاف، وهي شكل من أشكال تباهي السيدات بـ(زهبة) العروس، وهي دليل أن العروس قد استعدت للدخول إلى قفص الزوجية، في المكسار فقط يمكن أن تفهم الفتاة أنها أصبحت العروس وهذه طريقة تجهيزها لذلك، تتلقى التهاني والتبريكات وتبدأ النساء يقدمن لها النصائح وأولهن والدتها، ثم السيدات الاكبر منها، كما تلتف حولها صديقاتها في صباح المكسار يعد طباخ العرس اصنافاً من الريوق مثل الهريس والخبيص والبلاليط ويخبز الرقاق للفريد.

ويكون جاهزاً للتقديم في الصياني التي توضع أمام السيدات بعد أن يفرش حولهن الحصير أو السماط، وبعد الاكل تبدأ السيدات بإخراج (زهاب) العروس لكي يطلع عليه الجميع من التنكة التي كانت سابقاً لوضع الزهاب فيها، وإن كانت الأسرة ميسورة فسوف تعد للمرأة أكثر من (تنكه) وفي هذه الصناديق يوجد ملابس المرأة المعدة من الخام أو القطع كما يطلق عليها في الامارات، وهي دمعة فريد، وأطلس مزري وكيمري وليل ونهار، وأغلبها مستورد من الهند، وتكون كلها (مخورة) أي مطرزة ومنها المجهز بالتلي والخوص الملون بالأصفر والفضي التي تشتغل به النساء على الكاجوجة. وبعد رؤية الخام يأتي دور العود والدخون والعطور، وقد توضع في صينية وهي العطور التي تجلب من الهند.

وتعد الخلطة من مجموعة من العطور الزيتية وأهم خلطة هي المخمِّريِّة.

الذهب زينة وخزينة

لاشك أن الذهب وعلى مر الزمان استخدم لزينة النساء، بينما هو محرم على الرجال ولكنهم يتاجرون به، وقد اشتهرت أسواق بومبي ودبي ومكة المكرمة ومصر والبحرين للذهب، ويوصف الجيد منه بـ(صيغة البحرين).وقد اشتُهرت دبي بسوق مرشد، وهو من أقدم الأسواق، وحتى اليوم تحرص العروس على اقتناء زينتها من الذهب منه، وقيل قديما (الذهب زينة وخزينة) ومازالت النساء حتى الآن يستمتعن بزينة الذهب والمجوهرات حيث المفضلة لدى النساء في المناسبات والحفلات. المعروف من الذهب سابقا الأصفر وبحسب العيار من 14 إلى 24، أما اليوم فهناك الأبيض ويتوفر الوردي.

وقد تزينت المرأه الخليجية بـ(القماش) أي اللؤلؤ وقد تميزت باللآلئ ، ودخلت كشرط في مهور بعض البنات خاصة (الحصباة) أو عقد من اللؤلؤ ويكون من أفخر الأنواع، وقيل قديما (حصباة مايتها المناقيش) دليل على أن اللؤلؤة لم تمس من قبل ويعد اللؤلؤ من المقتنيات الثمينة والنفيسة والخزينة. ومن أنواع الذهب التي تحضر للعروس (الطاسة أم الشناف) و(طاسة أم الذراري) و(المرتعشة أم اللؤلؤ) و(المرتعشة أم الدق) و(المريِّة أم الورشو) و(الستمي) (وهي تلبس في العنق وقد تكون طويلة) والسلسلة وأيضا للعنق، وتستخدم في المناسبات البسيطة، وهناك (حيول أم الشوك) و(حيول أم النقوش) وخواتم (المينة) وخواتم أم الفص الأزرق أو الأحمر، وخواتم (فتخ) لإبهام القدم و(كواشي) ولها أشكال مختلفة، كما يستخدم لزينة الشعر ريشة قد تعلق بالكواشي، وتوضع على جانبي الشعر وقد ترتدي الفتاة البرقع ليلة الزفاف، ويكون مزينا بنجمات من الذهب على جانبيه ويسمى برقع (بوالنيوم).

الصوغة وليلة الحناء 

بعد استعراض الصوغة في الصناديق وهي عبارة عن ملابس العروس والذهب والعطور والعود، تأتي (المحنية) في آخر النهار فتضع نقوش الحناء المستوحاة من البيئة المحلية والطبيعة المحيطة مثل الهلال والنجمة والقمر وتغمر (الروايب) اصابع اليد بالحناء، ثم تنقش القدم بالحناء وتسمى (قِصَّةْ) وهي تغطية اسفل القدم مع (روايب) الاصابع وقد تحتاج المحنية إلى إعادة العملية عدة مرات لان الحناء لا يخلط بمواد كيماوية، ثم يأتي دور (المعقصة، أو العجيِّفة) لتمشيط وتزيين شعر العروس، أما اللمسات الأخيرة فهي وضع كحل العين بطريقة بسيطة، ثم تزف العروس إلى مخدع الزوجية.