نادراً ما تكون قضية إنسانية أو تطوعية ولا تجدها فيها، ليس حباً في الظهور الإعلامي وهو أبعد ما تكون عنه، بل ترجمة لمبدأ إنساني تنادي به دائماً انطلاقاً من قناعتها ونشأتها التربوية، فهي باحثة اجتماعية وخبيرة في التراث الشعبي، ومسيرتها حافلة بالعمل التطوعي والاجتماعي، صوتها الصادح بالحق، مناصر للمرأة ومدافع عن حقوقها، نبرته الحفاظ على الهوية التراثية والوطنية والدفاع عنها فخراً وثقة وانتماءً، تعشق العمل التطوعي والخيري، وتجد فيه سعادة لا يعرفها آخرون.

فاطمة المغني، اسم له وقع خاص في ميدان الفعل والعمل والإنجاز، كما أوضحت رفيقة دربها فاطمة أحمد عبيد علاي النقبي موجه تربوية متقاعدة، قائلةً: فاطمة المغني صديقة وزميلة عمل في مركز التنمية الاجتماعية لمدة 8 سنوات، وإلى اليوم لا يزال ارتباطي بها وثيقاً، يكفي أننا متشابهتان في الاسم الأول والأب والجد والقبيلة.

المغني هي ابنة عائلة محافظة من مدينة كلباء، تحب العلم والعمل وتهوى العمل التطوعي والخيري، وما سأقوله هو جزء من 40 عاماً من العشرة، فكيف للسطور أن تتسع!

نموذج امرأة

وأضافت أن هذه المرأة تجسد نموذجاً رائعاً للمرأة الإماراتية بشكل خاص، إذ تنظر إليها النساء باعتزاز مثالاً للنجاح، ولما يمكن لإرادة المرأة أن تفعله وبالأخص في المنطقة الشمالية الشرقية.

المغني كسرت الأعراف وتخطت المقاييس منذ عملها في وظيفة بعيدة عن مجال التعليم، الذي ظل العمل الوحيد الذي تلتحق به المرأة آنذاك، لتنتزع بجدارة لقب المرأة الحديدية. سارت في طريق شاق، وكان صعباً على الكثيرين تقبل ما تقوم به وسط بيئة محافظة، عندما خرجت إلى منازل المحتاجين في مناطق (خورفكان والنحوه وشيص ودبا الحصن)، تبحث عن كل أرملة أو مطلقة أو أسرة فقيرة ومتعففة، وفي أيام ترجع إلى بيتها ليلاً بعد تأدية وظيفتها في توزيع المستحقات وحل المشكلات.

شخصية جدية

وقالت صديقة العمر: خلف هذا الحزم والجدية وقوة الشخصية التي عرفت بها المغني، نجد الأم التقليدية الحنون المعطاءة. تطبخ وتدرس وتوصل أحفادها بنفسها إلى مدارسهم، وتخصص يوماً خاصاً لتمضيته برفقتهم، مُحِبة لهم مضحية من أجلهم، لا تدخر جهداً لإسعادهم، وأبناؤها ينظرون إليها بفخر واعتزاز، فهي تقدم نموذجاً نادراً للتوازن المطلوب من المرأة العاملة، عديدات يبحثن عنه.

وأشارت إلى أن أي امرأة، أياً كان ارتباطها الخارجي، فإن الأساس لديها هو بيتها وأسرتها وبالتالي كان لديها أسرتها التي شرعت بتكوينها في تزامن مع رحلتها العملية والعملية أيضاً.

المركز الأول

وأردفت النقبي: إذا ما اعتبرنا المغني أول سيدة تعمل في مجال بعيد عن التدريس في خورفكان وربما في الساحل الشرقي عموماً، وهو مجال التنمية والبحث الاجتماعي. فهي اليوم رائدة التجارب النسائية التطوعية، وهي من أوائل من تبنى إحياء روح التراث والتعريف بالهوية الوطنية، وهي حتى اليوم رغم تقاعدها، تبقى الأولى في عدم توقفها عن العمل والبحث و الالتحاق بالدورات والمتابعة، ولديها هم واحد هو التطور الدائم ومتابعة الجديد والحديث في العلوم المختلفة، مثل تعلم اللغات والإنقاذ والإسعافات الأولية. كما أنها من أوائــــل الأشخاص وربما المرأة الأولى في إنشاء متحف تراثي في منزلها وتأسيسه على قواعد منظمة كالمتاحف الرسمية في أسلوب عملها، وفيه تستقبل وفوداً طلابية وأخرى سياحية تهتم بالاطلاع على الموروث المحلي لشعب الإمارات، وهي كذلك المرأة الوحيدة التي تملك رخصة قوارب النزهة للسائحين. لذا تبقى الأولى، وبذلك تبقى بين المغني والمرتبة الأولى علاقة ممتدة.

مواقف حاسمة

وأكدت أنها صاحبة مواقف حاسمة، وشهد لها الجميع بالقوة والقدرة على اتخاذ القرارات بل والجرأة فيها، وأكثر القضايا التي تشغل بالها وكثير من الأمور التي يتساءل عنها المواطنون، هي المسائل الاجتماعية والخدماتية والأحوال الشخصية. وفي إطار ذلك استعرضت النقبي عدداً من المواقف التي أثّرت في مجرى حياتها في بدايات عملها في مركز التنمية الاجتماعية. فقد كان هناك توجيه من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وقتذاك في اجتذاب النساء لإحياء روح التراث، وقد تعرضتا لمضايقات من ذويهن، ما جعلها والمغني، تخشيان المخاطرة في العمل بهذا المضمار، إلا أن زيارة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، المفاجئة للمركز عام 1980، كان لها دور إيجابي كبير في تغيير مفاهيم الناس وتشجيع نسائهم على الانخراط في هذا المجال.

وذكرت النقبي أن وظيفة المغني لم تقتصر على توزيع المساعدات لأصحابها، وإنما كذلك على النصح والإرشاد في المجالس العامة والخاصة، وسعيها إلى المبادرات الخيرية. ولا تزال رغم التقاعد تساعد فئات اجتماعية مختلفة، وتسعى جاهدة إلى إيصال طلباتها إلى الدوائر المختصة من باب تقديم الدعم والعون اللازمين دون مقابل أو هدف، لافتة إلى أن أسلوبها في التعامل مع مشاكل المواطنين، وبالأخص النساء، يقوم على ضرورة التواصل بفردية وسرية تامة مع كل حالة.

حس لا يخطئ

وأوضحت أن حس المغني لم يخطئ يوماً، فهي تُعبد الطريق وترسمه ليلحقها بعد ذلك من يؤمن بفكرها، خاصة أن مسيرتها وسيرتها أثبتتا صواب رؤيتها عندما رسمت خطوات التنمية الاجتماعية والارتقاء بمنتسبيها، وأدرك الجميع بعد ذلك صواب رؤيتها.

بقي أن نقول إن فاطمة المغني عشقت العمل العام والتطوعي والخيري بشكل خاص، وبذلت الكثير من أجله، ولم تحلم يوماً بأمر خاص بها، فالمناصب عندها زائلة وصناعة التاريخ باقية، والتضحيات التي تقدمها ليست لشخصها بل للوطن الذي ولدت في ظله وظلاله.

 

100 تكريم

 

فاطمة المغني هي اليوم متقاعدة، وقد نشأت في أسرة تضع التعليم في أهم أولوياتها. اجتهدت في مجال البحوث الاجتماعية والنفسية والتربوية. وتولت رئاسة مجلس سيدات الأعمال في الشارقة بين 2007 و2009، وعضو المجلس الاستشاري في الشارقة من 2004 حتى 2007، وعملت أميناً عاماً مساعداً للجمعية العربية للتنمية الإدارية والاجتماعية والنفسية في مصر. وشاركت في الكثير من الإنجازات والأبحاث مع الجمعيات والمؤسسات داخل الإمارات وخارجها. وهي متطوعة في أكثر من 50 جمعية اجتماعية وخيرية ونفسية، وحائزة أكثر من 100 تكريم من مختلف مؤسسات الدولة، ودائماً ما تسعى إلى الارتقاء بمستوى المرأة الإماراتية وإعداد جيل مبدع من خلال برامج متكاملة. القلم لا يفارق يدها والطبخ مخرجها عند الشدائد

لا يفارق القلم يد فاطمة المغني التي تدون كل فكرة تراودها لتصنع منها منهجاً وطريقاً، ومعروف عنها كما تقول زميلتها فاطمة النقبي أنها شخصية متعاونة إلى أقصى الحدود، وعاشقة للنكتة وإن تعرضت إلى ضيق أو ضغط نفسي، لا يلطف مزاجها سوى الطبخ، هوايتها الأولى قراءة الكتب لاسيما التراثية والاجتماعية والتاريخية والسير الذاتية، فهي قارئة نهمة وتقتني مكتبة كبيرة بمنزلها.

العلاقات مقدسة

تستهويها البرامج الوثائقية وتشدها الأفلام والمسلسلات ذات الطابع التاريخي والإنساني، وتستثمر وقتها على أكمل وجه فتصحو فجراً للصلاة وقراءة القرآن ثم الكتابة لإنجاز ما لديها، كما أنها لم تنقطع عن صديقات الطفولة، وتشارك الناس أفراحهم وأحزانهم. وتضيف النقبي ضاحكة: «كانت تنازعني إن أبديت رغبة في التخلف عن تلبية دعوة لأي مناسبة»، كون العلاقات الاجتماعية مقدسة عندها. وأولى أولوياتها دائماً الإمارات، وهي تقول دائماً: جميعنا مأمورون شرعاً بأن نحب أوطاننا وندافع عنها ونضحي من أجلها.

الصبر والحب

وأكدت فاطمة أن الصبر عند المغني مفتاح الفرج، وبه واجهت المرض الذي لازمها لفترة، كما علمتها الحياة القدرة على الصمود في وجه الصعاب، في مسيرتها الكثير من السطور المضيئة التي تستحق أن نتوقف عندها، وفي خاطرها العديد من التساؤلات والهواجس التي تؤرقها. مشيرة إلى أن المغني دائماً ما تنصح المبتدئـات في مشوار العمل في المجال الاجتماعي والتطوعي بأن يحببن عملهـن إلى أقصى حد، حتى يصلن إلى ما يصبين إليه من الأهداف والطموحات.

لا تهدأ

وفي ختام حديثها، أشارت النقبي إلى أنه مع مرور 31 عاماً في رحلة عمر وكفاح مستمر ومسيرة ناجحة في العمل التطوعي، فإن المغني «أم باسم»، وهج لا يخفت، تحمل هموم وأفكار ومشاريع وطن، وتنتقل من إنجاز إلى آخر، ومن محطة إلى أخرى، لا تهدأ ولا تستكين ولا تكتفي بلائحة الإنجازات التي حققتها، بل تبحث دائماً عن الأفضل في حب الوطن.

 

 

8 أبناء

تزوجت المغني بعد أن نالت شهادة الثانوية العامة، من ثم التحقت بالعمل في مركز التنمية الاجتماعية بخورفكان عام 1978، تابعت دراستها بدعم من زوجها وأسرتها بجامعة الإمارات ونالت شهادة البكالوريوس في التربية وعلم النفس، وعام 1986 التحقت ببرنامج الماجستير في رسالة عن «الطلاق وأثره على الأمن النفسي»، وتابعت دراستها للدكتوراه، لكنها توقفت لظروف صحية، وتمكنت المغني من بناء أسرة متوازنة، ولم تشعر أحداً يوماً بنقص في الاهتمام من جميع النواحي، وهي أم لـ8 أبناء وجدة لـ10 أحفاد.