جاءت نتائج مباريات الجولة الرابعة من دوري أبطال آسيا 2012 لتكشف نسبياً عن معالم المنافسة، وباحت بأسرار جديدة حول مصائر الفرق، لأن البعض منها تضاءلت فرصته إلى حد كبير في الصعود إلى الدور المقبل، بينما هناك فرق أجادت وتمسكت بالأمل وتناضل من أجل البقاء في المنافسة ومحاولة انتزاع المركز الثاني الذي يجيز لصاحبه اللعب مع الكبار في الأدوار النهائية، وهناك فرق استطاعت أن تحسم أمرها وتحجز بطاقة التأهل عن مجموعتها، وما يهمنا هنا هو فريق الجزيرة أحد ممثلي الكرة الإماراتية، والذي استطاع على أرضه وبين جماهيره، أن يحسم أمر تأهله، بنقطة التعادل مع ضيفه الاستقلال الإيراني 1/1، والتي رفعت رصيده إلى 10 نقاط، واحتفظ بصدارته لمجموعته وحافظ على سجله نظيفاً حتى الآن، وأما باقي ممثلي الكرة الإماراتية بني ياس والشباب و النصر أصبحوا يدورون في فلك فلسفة كل شيء وارد في كرة القدم.

 

إيقاع الجزيرة والاستقلال

وللحديث عن لقاء الجزيرة والاستقلال الإيراني، نقول هل الاندفاع الهجومي للفريق الضيف مع بداية المباراة، كان أمراً مباغتاً لأصحاب الأرض أم كان متوقعاً؟، أم أن أسلوب لعب المنافس الإيراني كان مفاجئاً للجزيرة بحيث لم يكن معداً له تكتيكياً، وكيف تصرف لاعبو الجزيرة أمام الضغط الهجومي الإيراني ذهنياً؟ فالاستقلال حاول أن يفرض ما فرضه عليه الجزيرة في مباراة الفريقين السابقة، بأن يضعه تحت الضغط الذهني أمام جمهوره في محاولة تسجيل هدف مبكر يستطيع من خلاله السيطرة على إيقاع المباراة.

وبالرغم من وضوح فلسفة مدرب العنكبوت البرازيلي كايو جونيور الفنية في كل مبارياته، وهي التوازن في الأداء في أول 30 دقيقة، ثم قراءة نقاط الضعف في المباراة بحيث يستطيع تحديد ملامح الشوط الثاني، إلا أن الجزيرة لم يكن في حالته الفنية التي يستطيع من خلالها أن يحقق تلك الفلسفة، وتعددت الأسباب لذلك، وقد يكون انعدام التركيز رغم الحضور الذهني المعروف عن لاعبي الخبرة في الجزيرة وكيفية التعامل مع كل الظروف، ولكن تلك الحالة الذهنية المتأرجحة وضعت الفريق أمام حرج فني في كيفية الابتعاد عن الضغط الذي مارسه الاستقلال في وسط الملعب بالتقنيات التي نعرفها عن الجزيرة بالتمرير القصير، ثم التمرير الطويل إلى الهجوم للابتعاد عن منطقة المناورات تحسباً لفقدان الكرة من خلال الاحتكاك البدني الذي يتفوق فيه الفريق الإيراني، وتلك الأمور حجمت فاعلية الجزيرة في الشوط الأول، ومنحت السيطرة للفريق الإيراني الذي استطاع أن يتقدم بهدف ارش برهاني بعد تمريرة ذكية بينية من اللاعب زيندان في الدقيقة 24.

 

شوط مغاير

وجاء الشوط الثاني مغايراً لكل معطيات الأداء بالنسبة للجزيرة، فشاهدنا كل نقاط القوة الفنية التي نعرفها عن الفريق بكل فاعلية في كيفية السيطرة على الإيقاع الذي يمنحه التفوق بكل قوة، والضغط البدني الموجه بالكثافة العددية في وسط الملعب، واستطاع لاعبو الجزيرة أن يواجهوا ببراعة التمرير السريع و تبادل المراكز في المساحات الخالية، وهذا ما منح حرية التحرك لكل من أوليفيرا ودياكيه الذي صنع الفارق في فرض التفوق، ثم التغييرات الكلاسيكية التي أجراها في مركزي الظهيرين الأيمن والأيسر، ولكن سيناريو الشوط الثاني كان واضح الملامح في كيفية التعادل باستغلال المواقف الثابتة بفاعلية من خلال ضربة ركنية سجل منها أوليفيرا هدف التعادل (68).

وما يحسب للجزيرة بالرغم من تواضع مستواه في الشوط الأول، ثم تفوق في فرض السيطرة في الشوط الثاني، هو الخبرة في كيفية التعامل مع المواجهات الحاسمة بفاعلية، النتيجة الإيجابية في هذه المباراة يخرجه من دوامة الضغوط، الروح القتالية في استرداد الكرة من المواجهات البدنية كانت واضحة في الشوط الثاني، لا يمكن أن نغفل الدور الفني في الإعداد الذهني للاعبين في التفكير في حسم المنافسات الآسيوية ثم التفكير في البطولة الأهم في الموسم الرياضي المحلي، بالرغم من صعوبة المهمة لأنها طبيعة بشرية في تشتت التفكير في مباراة لا تقبل القسمة، وهي نهائي الكأس، وبين مباراة قد تعوض في حال الخسارة، ولكن خبرة التعامل بذكاء في تفاوت مستويات المنافسة كانت فعالة من قبل اللاعبين.

 

«النصر» لأهلي جدة

بالرغم من التشكيلة الغريبة التي لعب بها مدرب النصر الإيطالي زينغا في بداية المباراة، وذلك من خلال بناء خطين دفاعيين من لاعبين يمتلكان نفس الإمكانات في مركز الظهير الأيمن في مواجهة مصدر الخطورة للأهلي السعودي، إلا أنه بالرغم من نجاحه، إلا أنه فتح ثغرة دفاعية في المنطقة الفاعلة تهديفياً منطقة العمق الدفاعي، منطقة التوازن الدفاعي بين الدفاع والوسط، ويحسب له في الشوط الأول نجاح خطة اللعب التي فصلت تكتيكياً على إمكانات اللاعبين، ونجح من خلالها في مراقبة مفاتيح اللعب بفاعلية، كما راهن زينغا على حيوية سن لاعبيه الصغار في التوازن مع خبرة لاعبي أهلي جدة، والاعتماد في الهجوم على سرعة انطلاقات حميد عباس وأمارا ديانيه في المساحات الخالية حسب التوقع بأن يفرض الأهلي اندفاعاً هجومياً يسيطر من خلاله على المباراة.

واستطاع زينغا بطريق «الكالتشيو» الإيطالي، والذي يطبقه النصر بفاعلية في الدوري المحلي، في تسجيل هدف التقدم برأسية أمارا ديانيه بعد تمريرة من محمد علي إثر خطأ بالقرب من منطقة الجزاء في الجهة اليسري للأهلي السعودي الذي كان مسيطراً على الأداء أغلب الشوط الأول، وما يحسب للنصر أنه استطاع الصمود الدفاعي أمام المحاولات الهجومية السعودية السريعة في كل الجهات، سواء عبر الأطراف أو في العمق، وهذا التكتل الدفاعي الناجح نسبياً في الشوط الأول منح الثقة للاعبين والمدرب بالرغم من المجهود البدني الذي تأثر بالتركيز الذهني في المحافظة على الثبات التكتيكي، وهذا ما وضع التساؤل، كيف سيواجه النصر كل نقاط القوة لدى الأهلي في الشوط الثاني.

 

تغيير التكتيك

والتغيير التكتيكي الذي قام به زينغا في الشوط الثاني بهدف إيجاد التوازن التكتيكي في معالجة الثغرة الدفاعية التي قد يستطيع الأهلي من خلالها العودة إلى المباراة، كانت في منطقة العمق التي ذكرناها سابقاً، فلعب بمحمود حسن كليبرو لخط الوسط في إغلاق تلك الثغرة، وترك ديانيه وحيداً في الهجوم، وخلفه لاعبا الارتكاز ليما وبريشيانو اللذان لم يكونا في مستواهما الفني المعهود في حفظ التوازن في منطقة الارتكاز، ومع مرور الوقت ضغط الأهلي بكل أسلحته الهجومية التي لم يستطع النصر الصمود والتماسك أمامها، لقلة خبرة بعض لاعبيه في كيفية التعامل مع الضغط الهجومي، فكان واضحاً في فقدان الثقة تدريجياً مع مرور الوقت، والثغرة الدفاعية التي تمت معالجتها بالتغيير الذي أشرنا إليه لم يكن فعالاً لغياب المساندة من ليما وبريشيانو، كما أن خبرة لاعبي الأهلي في كيفية العودة إلى المباراة بالتدريج كان واضحاً من خلال فرض السيطرة على إيقاع السرعة في نقل الهجمة.

الشباب واستطلاع «الهلال»

وأما الشباب لم يكن يستحق الخسارة، لكنها حدثت ببراعة لاعب وخطأ تنظيم دفاعي، الهلال لم يستحق الفوز لكن تحصل عليه بالتوفيق الذي حالفه في هجمتين، والواقع في مجريات المباراة لم يكن منصفاً للشباب الذي كان يستحق الفوز، لأنه استطاع أن يفرض سيطرته على المباراة بكل أدواته التكتيكية، وعوامل السيطرة المؤثرة من سرعة التحركات بدون كرة، و تغيير المراكز بانضباط تكتيكي، والتنوع في البناءات الهجومية في كيفية استغلال المساحات كانت مفاتيح فعالة في كيفية تحقيق الفوز.

وبرغم لعب الشباب بروح قتالية وبشكل منضبط ومتوازن تكتيكياً في عملية التحول من الدفاع إلى الهجوم والعكس، إلا أن البرازيلي كييزا افتقد الانسجام الهجومي بينه وبين لاعبي الشباب، وكذلك صناعة الهجمات التي تمنحه الفاعلية التهديفية، وإن استطاع الشباب أخذ مبادرة التفوق في الدقيقة 28، بعد أن مرر سياو كرة مرتدة عرضية أخطأ مدافع الهلال تقدير السيطرة عليها لتصل إلى كييزا الذي انطلق بسرعة وكان في النقطة الحاسمة للتهديف، و لكن ما لم نفهمه هو حالة الانفلات الذهني التي مر بها دفاع الشباب، رغم ما نعرفه عنه من قوة الانضباط التكتيكي بعد تسجليه هدف التقدم، خصوصاً في الدقيقة الأخيرة من الشوط الأول التي استطاع فيها لاعب الهلال يوسف العربي استغلال «الدربكة» الدفاعية في إبعاد الكرة مسجلاً هدف التعادل، ليعيد المباراة إلى نقطة البداية.

وفي الشوط الثاني كانت رغبة الفريقين واضحة في تحقيق الفوز، خاصة الهلال صاحب الأرض، ما شكل ضغطاً كبيراً على لاعبي الشباب وحملهم مسئولية الدفاع عن ذاتهم للاستمرار في البطولة، وبالرغم من غياب صانع لعب بإمكانات فيلانوفيا في قيادة اللعب إلا أن الشباب كان فعالاً في إيجاد الفرص التهديفية أثناء التحول الهجومي الذي يحتاج إلى التركيز والواقعية في بناء الهجوم.