المسؤولية والمخاطرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يستريح المحارب بين حين وآخر .. فهو يعلم ان الأحصنة التي تستمر في القفز فوق الحواجز تكسر إحدى قوائمها والأقواس التي تنحني كل يوم لا تطلق سهامها بالقوة نفسها يُظهر الجذر اللاتيني لمعنى كلمة "المسؤولية: Responsibility" على أنها القدرة على الاستجابة أو التفاعل.

وكان لدى المحارب المسؤول في السابق، القدرة على المراقبة والتدريب، بل انه كان قادرا أحياناً على التحلي "بعدم المسؤولية". وكان يترك نفسه، في بعض الأحيان، للأقدار، كي تحمله بعيدا، دون أن يستجيب أو يقوم بأي رد فعل. ولكنه تعلم دروسه، واتخذ موقفا، واستمع إلى بعض النصائح، وكان متواضعا بما يكفي لقبول المساعدة.

والمحارب المسؤول ليس ذلك الذي يضع أثقال العالم على كاهله، بل هو الذي يتمكن من التعامل مع تحديات اللحظة الراهنة. وبالطبع، فإنه في أوقات محددة، يشعر بالخوف في مواجهة قرارات مهمة.

يقول صديق: "هذا الأمر أكبر من أن تتمكن من إنجازه". يقول آخر :"امض قدما وتحل بالشجاعة". لكن شكوكه تزداد جسامة مع الوقت.

وبعد أيام قليلة من الألم والكرب، فإنه يستريح في زاوية خيمته، حيث يعكف في العادة على التأمل والصلاة، ويرى حياته في المستقبل، والناس الذين سينتفعون من مواقفه أو سيلحقهم الأذى من جرائها. ولا يريد ان يسبب معاناة لا جدوى منها، ولكنه في الوقت نفسه، لا يريد ان يتخلى عن المسار.

ثم يترك المحارب القرار يعبر عن نفسه، وإذا احتاج إلى قول نعم، فسيقولها بشجاعة وإقدام، وإذا وجب عليه قول لا فسيقولها من دون إحساس بالجبن. وعندما يتحمل المحارب المسؤولية، فإنه يلتزم بكلمته.

أما أولئك الذين يقدمون الوعود ثم يفشلون في الوفاء بها، فإنهم يخسرون احترام الذات، ويشعرون بالخجل من اعمالهم، وحياة أولئك الناس تتمثل في الهروب، وهم يهدرون طاقة أعلى بكثير، بسبب عدم احترام كلمتهم، مقارنة بما يستخدمه محارب النور للوفاء بوعوده.

وهو يتحمل مسؤولية سخيفة أحيانا، تذهب سدى، وهو لا يكرر هذا الموقف المحدد، ولكنه بالرغم من ذلك يفي بكلمته، ويدفع ثمن اندفاعه.

وبالطبع، ينتهي به الأمر إلى أن يسمع آراء لا تصب في صالحه. ولكنه قبل ان يصغي الى أي شيء، يحاول دوما معرفة ما إذا كان الشخص الذي يعطي هذه الآراء، قام بأعمال أفضل منه. وعموما، فإن أولئك الذين ينتقدون لم يحققوا أحلامهم أبدا، وحدهم المنتصرون هم المتسامحون والكرماء.

لماذا ينتقدون؟ لأنه مقابل كل خطوة يخطوها المحارب إلى الأمام، فإنهم يتراجعون خطوة إلى الوراء، ويصعب عليهم قبول واقع ان آخرين يحصلون على شيء كانوا يعتقدون أنه بعيد المنال.

وهذا لا يعني ان المحارب يخطو الخطوات الخاطئة، فهو سيرتكب كثيراً من الأخطاء، وهذا الأمر لا يهم. فاقتراف الأخطاء جزء من المسار، أما إصلاح الأخطاء فجزء من مسؤوليته.

وفي سبيل تقليص الأخطاء، فإن المحارب يستريح بين الحين والآخر، ويشعر بالسعادة بالأشياء الصغيرة في الحياة، وهو يعلم ان الخيوط المشدودة تصبح غير متناغمة في النهاية، والأحصنة التي تستمر في القفز فوق الحواجز تكسر إحدى قوائمها، والأقواس التي تنحني كل يوم لا تطلق سهامها بالقوة نفسها.

Email