بعض الكتب تدفعنا

إلى أن نحلم

والآخر ينقل الواقع

لكن لا أحد بإمكانه

الهروب الأهم بالنسبة للمؤلف : الأمانة

 

في 29 مايو 2020، ذهبت إلى مغارة لورد في فرنسا، قبل ساعات من الانتهاء من تأليف كتابي الجديد، لملء بضعة "غالونات" من الماء من النافورة السحرية في ذاك المكان. وكنت قد دخلت بالفعل أراضي الكاتدرائية، عندما اقترب مني رجل عجوز، في السبعين من عمره تقريبا، وقال: " هل تعلم انك تشبه تماما باولو كويلو؟". فأجبته بأنني باولو كويلو.

عانقني الرجل، وعرفني بزوجته وحفيدته، وتحدث عن أهمية كتبي في حياته، مختتماً حديثه بالقول: "إنها تجعلني أحلم".

ولقد سمعت هذه الجملة مرات عدة، ولطالما أشعرتني بالسعادة. لكنني جفلت في تلك اللحظة، لمعرفتي أن قصة "إحدى عشرة دقيقة"، تتحدث عن موضوع حساس، مؤذ، وصادم. وهو الدرب الذي سارت عليه امرأة برازيلية غير مستقيمة، سعيا إلى لقاء روحها. مضيت صاعداً إلى النافورة، وملأت الغالونات بالماء، وعدت أدراجي، وسألته عن مكان سكناه، حيث تبين لي أنه يقيم في شمال فرنسا، قرب بلجيكا، فدونت اسمه.

وفي تلك اللحظة بالتحديد، قررت إهداء الكتاب الذي أكاد انتهي من تأليفه إلى ذاك الرجل، ويدعى موريس غرافلينس. فقد شعرت بالتزام تجاهه وتجاه زوجته وحفيدته، وكذلك تجاه نفسي، بالحديث عن ما يشغل بالي، وليس عن ما يرغب الجميع في سماعه.

بعض الكتب تدفعنا إلى أن نحلم، وبعضها الآخر ينقل الواقع، لكن لا أحد بإمكانه الهروب من الشيء الأهم بالنسبة للمؤلف، أي الأمانة تجاه كتاباته. والكتابة عن الجنس بالنسبة لي كانت تحديا لاحقني منذ شبابي، عندما أوجدت الثورة الهيبية سلسلة من التصرفات حديثة العهد في حينها على هذا الصعيد، والتي تكاد تتجاوز أحيانا الفطرة السليمة.

وبعد تلك السنوات التي تتصف بالجنون، مررنا بفترة تعد محافظة، مع قدوم الأمراض المميتة، وعبر معاودة طرح هذا السؤال مرارا وتكرارا: "ولكن هل الجنس على هذا القدر من الأهمية؟".

يعيش الناس في عالم من التصرفات الموحدة، حيث هناك مقاييس للجمال والجودة والذكاء والكفاءة، ويعتقدون بوجود مثال لكل شيء، وانهم باتباعهم هذا المثال يكونون في مأمن من الضرر.

ولهذا السبب، يقيم الناس "مقياسا للجنس" وهو في الواقع يتألف من سلسلة من الأكاذيب.. ونتيجة مباشرة لهذا الأمر، كان هذا الشكل من التصرفات يجعل ملايين الناس في حالة من الإحباط والكآبة والذنب، وأدى إلى كل أصناف الانحرافات السلوكية. فلماذا نتصرف بهذه الطريقة تجاه أمر على هذا القدر من الأهمية؟

وبالطريقة نفسها، فإن المؤلف لا يعلم أبداً المسار الذي ستمضي به كتبه، ولهذا فإنه يسمح لكتاباته بالشرود إلى اتجاهات غير متوقعة، ويحتاج الناس أيضا إلى ان يعيشوا تناقضاتهم، لاسيما في ميادين على هذا القدر من الحرج والحساسية، مثل الجنس والحب. والرجل الذي يريد أن يتبع نمطا واحدا طوال الوقت، سيجبر اليوم على التفكير بما اعتقد به البارحة، وأن يعمل دوما على تنسيق ربطة العنق مع الجوارب: فهل هناك من شيء أكثر إثارة للضجر من هذا؟

يجب أن يحاول مجتمع اليوم، الذي يتعامل مع السلوك الجنسي بناء على "مقاييس"، من دون احترام للاختلافات الشخصية، تذكر أحد أجمل الأشعار حول الطبيعية الإنسانية، وهي "ترنيمة إيزيس" التي تم اكتشافها في نجع حمادي ، في صعيد مصر، والتي أرجع الاختصاصيون تاريخها إلى القرنين الثالث والرابع قبل الميلاد:

لأنني الأولى والأخيرة

فأنا المقدسة والمدنسة

العاهرة والقديسة

الزوجة والبتول

الأم والابنة

أنا ذراعا أمي

أنا عاقر وأطفالي كثر

الزوجة والعانس

الولودة التي لم تنجب قط

أنا العزاء لألم المخاض

أنا الزوجة والزوج

والرجل فيّ هو الذي خلقني

أنا أم أبي

أنا أخت زوجي

وهو ابني المنبوذ

دوما يوقرني

لأنني من تجمع الخزي والروعة