خلف مرآة السيارة ألصق السواق برعي عبارة تقول «هي جت كده» وراح يطوف بها في شوارع القاهرة طيلة سنوات معتمداً على ما يخبئه له القدر في يومه. سألته عن معنى العبارة ، فقال: (الدنيا جت كده، الرزقة جت كده، حضرتك ركبت معايا، كل حاجة جت كده).
تذكرت السواق المصري الآن وقد راح الربيع العربي يسير نحو جفاف الصيف، والحديث يتعاظم عن غياب قادة للثورات يخططون ويدرسون ويفاوضون، غياب فاضح للسياسيين الذين يقودون تحرك الجماهير بشكل منظم، وكأن عبارة السواق برعي: "هي جت كده"، وحدها التي تقود وتخطط وتنظم.
لقد ساهمت الحكومات الظالمة في ندرة القيادات واختفائها، واعتمدت مبدأ التصفية، بكل أصنافها، لكل من يُخرج رأسه من كهف الطاعة العمياء، وفضّلت القائد الفرد والوحيد الأوحد الذي تسبغ عليه الألقاب، ليكون هو الملهم والمعلم والدليل والصانع للمستقبل.
الثورات العربية نتاج حالة عفوية من الجوع والفقر والقهر والذل. ولنتذكر بداية الثورة السورية في هتافها: (الشعب السوري ما بينذل) ثم صارت المطالب والهتافات تنادي بإسقاط النظام، مع تحول النظام إلى قمعه الدموي، ثم تحولت الشعارات نحو حالة ثأرية تريد محاسبة المسؤولين عن القتل، ثم إعدام الرئيس.
لقد فشلت النخب السياسية العربية، على مدى عقود، في تعبئة الشعب وقيادته إلى إحداث التغيير المنشود، فبدأت الشعوب تتلمس طريقا للتغيير تتجاوز النخب، وراحت تفرز منظريها الذين تتوقف علاقتهم بالسياسة مع أول سؤال عما يريده الشعب، حيث لا نظرية سوى الخبز والحرية والكرامة، نظرية عفوية لم تُخترع في الجامعات أو الكتب، إنها ببساطة نظرية الغريزة والحاجة.
الثورة التي بدأت في شكل احتجاجات عفوية حوّلها النظام ببطشه، إلى ثورة تطالب بإسقاطه. الثورة قامت بلا خطة لإسقاط النظام، دون توافر قيادة تضبط مسيرتها وتتفاوض باسمها، ولكنها عوّضت عن ذلك، بدرجة غير مسبوقة من التضامن والإصرار والاستعداد للتضحية، لكن هل كل تلك الثورات تسير على نهج واحد؟
أبداً، لأن ما يجري في سوريا، وما جرى في اليمن، شكل آخر من فصول الدم. وفي غياب قيادات توجه الثورة، يمكن لأي مغامر أن يقفز إلى القطار، فيقودها إلى محطة "هي جت كده".