هكذا تقلب الحقائق من حال إلى آخر: السجن هو حرية في وطن الصمود، القهر هو الصبر، المقاومة هي الإرهاب، الرفض هو التمرد، التفكير هو خيانة، الرأي هو المخالفة. وكل من لا يتفق معنا هو منبوذ. والحقائق مرهونة بطريقة النظر إليها؛ من الزاوية البيضاء أو من ثقب أسود، أيهما الحقيقة نصف الكأس المملوء أم نصفها الفارغ؟

كيف يتحول القاتل إلى ضحية؟ إنه ببساطة يرشح نفسه لانتخابات برلمانية، ثم يفوز بقوة البلطجة والتشبيح، وبدلاً من حمله العصا أو السكين، ستكلف الحكومة رجالاً أنيقين يستخدمون سيارات فارهة لحمايته، ويتحول اسمه الحركي من "أبو عنتر" إلى «عنتر بيه» أو «بيك»، حسب الجغرافيا البرلمانية. وستظهر صوره في الصحف، مدافعاً عن قضايا الشعب.. الشعب ذاته، الذي كان يسحقه بعصاه ويقطع أطرافه بساطوره.

من الزوايا التي ينظر منها المرء إلى الحقائق، نتمعن في الحكاية التالية: "أراد رجل فاحش الثراء أن يوضح لابنه قيمة النعمة التي بين يديه، وأن يريه كيف يعيش الفقراء، فاصطحبه في رحلة إلى الريف، وأمضيا عدة ليال في ضيافة أسرة فقيرة تعيش في مزرعة بسيطة، وفي طريق العودة سأل الأب ابنه: كيف كانت الرحلة؟

أجاب الابن: «كانت ممتازة. الأب: هل رأيت كيف يعيش الفقراء؟ الابن: نعم. الأب: إذاً أخبرني، ماذا تعلمت من هذه الرحلة؟

الابن: «رأيت أننا نملك كلباً واحداً والفقراء يملكون أربعة كلاب، ونحن لدينا بركة ماء وسط حديقتنا، وهم يوجد لديهم جدول ليس له نهاية، وقد جلبنا الفوانيس لنضيء حديقتنا، بينما هم لديهم نجوم تتلألأ في السماء، وباحة بيتنا تنتهي عند الحديقة الأمامية، أما هم فلهم امتداد الأفق، لدينا مساحة صغيرة نعيش عليها، وعندهم مساحات تتجاوز تلك الحقول، لدينا خدم يقومون على العناية بنا، وهم يقومون بخدمة بعضهم البعض، نحن نشتري طعامنا، وهم يأكلون مما يزرعون، نحن نملك جدراناً عالية كي تحمينا، وهم يملكون أصدقاء يحمونهم».

الحقيقة مثل السعادة، تختلف في أعين الناس، فهناك من غطى سوء تفكيره على عينيه فأظلمت الحياة في نظره أو تغيرت الحقيقة، أو غيرها، وكأن مشهداً سينمائياً كتب على عجل، ليصور في فصل الربيع، والذي طالت شهوره فذهبت أزاهيره وأغصانه إلى ظلام المقابر أو برد السجون، بينما عتاة القتلة يمرحون أمام الشعب.