ذات حلقة تلفزيونية، تعود إلى أعوام التسعينيات من القرن الماضي، صرخ المدير بنائبه، وعنّفه كثيراً لسبب ما، على مرأى ومسمع عدد من صغار الموظفين، فخرج النائب وقصد مكتبه وخبط الباب خلفه، مفرغاً كل طاقة غضبه فيه، فاستدعاه المدير مجدداً، وسأله عن سبب سلوكه هذا، فقال النائب:

«إنه الباب الذي يصدر صوتاً عالياً إذا أُغلق بهدوء». فأمر المدير بخلع الباب وإرساله إلى الورشة حالاً لإصلاحه، وكان الوقت عصر يوم الخميس من أيام الأسبوع، بقي مكتب نائب المدير، دون باب، حتى صباح الأحد، ولمَا كان مكتب النائب، يحوي الكثير من الوثائق والملفات التي يسبب فقدانها مصيبة كبيرة، فقد أمضى النائب المسكين عطلة نهاية الأسبوع في مقر عمله، حتى لا يعبث أحد بملفات العمل الخطيرة.

حكاية هذا الموظف تشبه هؤلاء الذين يعلقون في وظائف، وهم غير راضين عما تفرزه من سلبيات، ولكن ماذا يفعلون في نفق ضيق لا ضوء فيه، سوى الصمت أو الإذعان، والحال هنا هي حـــال هؤلاء الذين يعملون في أنظمة شمولية، الكل فيها يسبح بحمد قائده المناضل، الذي يتصدى للمؤامرات الكونية، فإن وقف صامتاً داخل دائرة ثقته، سينظر إليه التاريخ نظرته إلى الديكتاتوريين، وإن غادر سيخلعون باب حياته ويفتحون عليه نار الخيانة والعمل على إضعاف الهمة وبث الوهن في نفوس أبناء الوطن، وتوجد لائحــة لا تنتهي، من تهم التخوين والتكفير والتحقير، وحاله تشبه حال هؤلاء المستجيرين من الرمضاء بالنار.

ألا يفسر لنا ذلك، لماذا لا ينشق الموظف عن نظامه؟ وكذلك، إلى أين سيذهب لو حدث هذا الأمر؟ وهل ستنتهي به الحــال مطارداً في وطنه كأي مجرم، ومن ثم يدفــع أبناء عائلته الأقربون والأبعدون، ثمــن ابتعاده أو ثمن صمته؟ أي نار سيكتــوي بها لو قال كلمته في ما يجري حوله أو انتقد الأخطاء؟ أجزم أن شخصاً ما، خلف الباب، جاهز ليرسل بابه إلى ورشة الإصلاح ويترك حياته في العراء.

حكاية نائب المدير تتشابه مع آلاف الحكايات الأخرى في معظم الأنظمة الشمولية، ليس أقلها حكاية فأرين سقطا في دلو القشدة، أحدهما صعد على أكتاف رفيقه لبلوغ فتحة الدلو للهرب، والآخــر ظل في الأسفــل يتخبط، بحثاً عن منفــذ، حيث لا باب يخرج منه ضوء، يمكن أن يلجأ إليه في نهاية النفق.