مناقشة الجاهل تعرضك للسخرية، ومناقشة الأحمق تعرضك للإهانة. قرأت هذه العبارة، وربما هي مثل أو قول مأثور، منذ أيام قليلة مضت، وتذكرت البرامج الحوارية التلفزيونية، وأبرزها "الاتجاه المعاكس "، ومرت أمامي صور لجهلاء وحمقى كانوا ذات يوم يجلسون أمامنا أو بقربنا، فشعرت بالندم الشديد على ذلك الوقت الذي أضعته في مناقشتهم أو الإصغاء إليهم، أو إلى من على شاكلتهم.

أجزم أني ما دخلت حواراً مع واحد من هؤلاء، إلا وكان ختامه الشجار. وكنت أعتقد أن الحوار مع الأفراد من أمتع الأشياء وأرقاها، لأنه يؤدي إلى تقارب بين الناس ويفتح طاقتهم الوجدانية نحو الصداقة والتقبل والعيش المشترك، فضلاً عن تنمية طريقة التفكير وتوسيع آفاق المعرفة الشخصية، لكن الحوار يصبح غير ذي جدوى عندما نتحاور مع الجهلاء الذين يقودوننا إلى منطقتهم، وكأننا سنتساوى معهم في المنزلة.

الجاهل هو الذي يسيء التصرف دوماً ولا يحكم عقله في الحديث، بل يستخدم عصبيته وتطرفه لإدارة أي نقاش. ويلجأ دوماً لأن يُخطّئ غيره ويبدي صحة وجهة نظره، دون الآخرين، لأنه يعتقد أنه الأكثر علماً ونباهة، والآخر أقل معرفة و ذكاء. لذلك تراه يختار الطرق السلبية في الحوار، ولا يشعر بأخطائه ولا يعترف بها. هو السلبي دائماً ولا يعجبه الآخر بسهولة، وإن كان في قمة المثالية.

أفرز الربيع العربي وثوراته، آلاف الحمقى والجهلة، ويمكن للمرء أن يلمس وجودهم من خلال بضع كلمات رأي، تساق ضمن نقاش محدد، في بلد من بلدان الربيع العربي. أو عندما يستمع إلى حوار مع شخصية سياسية أو دينية أو قائد حرب، ليكتشف ان الحوار يشبه أخبار الرصاص في نشرات الأخبار، والتي تبدو ذات بعد مرعب، إذ تقوم على مبدأ (أُقتل أو تقتل ). أو كما تقول العامة في لسانها الشعبي: ( يا قاتل يا مقتول ) .

هؤلاء الحمقى الذين نسوا شعبهم وأهلهم، ودافعوا عن تماثيل عديمة الجدوى: تماثيل الجاهلية والتسلط، وقدموا دم شبابهم قرباناً لها . ما جدوى الحوار مع هؤلاء الجهلة الذين يخافون من أي تطور أو تقدم. وما فائدة مجالستهم، سوى انهم يقودونك إلى منطقتهم الفكرية الضحلة. انهم يستفزونك بعقولهم المقفلة، ولا يرون غير الوهم الذي كبروا عليه.. حقا، لا جدوى منهم ولا فائدة من محاورتهم.