الكذب السياسي أخطر أنواع الكذب لأن مصائر الدول والبشر تتوقف عليه، ولا يضاهي خطورة ذلك مثل تبرير الكذب وكأن القيم الأخلاقية لا وجود لها في عالم السياسة الطافح بالأخطاء، وقد شغل هذا الموضوع الكثير من الباحثين والعلماء، وخلصوا إلى استحالة استئصال تلك القيم من الصراعات السياسية.
غير أن تبرير الكذب هو أكثر خطورة من الكذب ذاته، ويكاد أن يكون جوزيف غوبلز وزير الدعاية النازي أهم من أسس لهذا الفن، وهو صاحب المقولة الأبرز «اكذب اكذب حتى يصدقك الآخرون، ثم اكذب أكثر حتى تصدق نفسك». وهكذا يبرر الكاذب فعلته، وليس على الشعب المسكين سوى التصديق بما يعني ضمناً الإذعان لفكرة السياسيين حين يكثرون من الوعود.
والوعود ما أكثرها، ولكن أشهرها وعد بلفور، غير أن وعداً عمره قرن لن يصمد في وجه وعود علي عبد الله صالح أو بشار الأسد مثلاً، حيث الإصلاحات والتغيرات وتصفير العداد ودروس الأخلاق والتاريخ لم تعط نتائج تمنع تحول الثورات من حق المطالبة بالعيش الحر الكريم، إلى حق العدل، حيث الشعب يريد إعدام الرئيس، ليس لأن الرئيس يكذب، بل لأن الرئيس يقتل، وهناك من يبرر الجريمة ويلبسها ثوب الفضيلة.
والتبرير عموماً، عبارة عن أعذار وأسباب تبدو للنظرة العابرة مقنعة ومنطقية، ولكنها ليست الأسباب الحقيقية والدوافع الفعلية وراء السلوك، وهي عبارة عن تبرير لسلوك الفرد ومعتقداته، الذي يعرف في قرارة نفسه أنه مخطئ، لكنه يبرر لنفسه أو يبررون له الخطأ، مما يحرمه من التبصر بأفعاله والتحكم فيها ومراجعه أخطائه.
ويختلف التبرير عن الكذب، بأن الأول (التبرير)، يكذب فيه الإنسان على نفسه. في حين يكون الثاني (الكذب) بأن يكذب الإنسان على الناس. وهذه الآلية الدفاعية تقدم أسباباً مقبولة اجتماعياً، لما يصدر عن الإنسان من سلوك، وهو يخفي وراءه حقيقة الذات. مثال ذلك: اعتقاد الفقير بأن الفقر نعمة، وأن الثروة والغنى يجلبان له المشاكل والهموم.
يدرك الفرد الذي يكذب، سبب تصرفه، ولكنه يتعمد وعن وعي، تحريف الحقيقة بقصد خداع الغير. أما التبرير.. فالجوهر هو خداع الذات وهي حيلة يتنصل بها عن عيوبه التي لا يستطيع مواجهتها بشجاعة، ولطالما كان الرجوع عن الخطأ فضيلة، والاعتراف به شجاعة، ولكن كيف يمكن ذلك والقادة يحيطون أنفسهم بمن هم على شاكلة جوزيف غوبلز، وبعضهم تفوق عليه، مثل محمد سعيد الصحاف.. إذا كنتم تتذكرونه.