عندما يوازن الملوك بين المشكلات التي تواجههم وما تحتاجه شعوبهم، سيدركون كم هو فن السياسة صعب، وكم هي قاسية حياة الأضواء والمكائد والدسائس، والحكاية التالية تلخص جانباً من توازن الحكم، عندما تواجه الملك مشكلة ما.
فقد أرسل أحد الملوك ابنه إلى أحد الحكماء لكي يتعلم منه سر السعادة في الحياة، وكان الحكيم يعيش في قصر جميل فيه حديقة رائعة، فطلب منه الحكيم القيام بجولة داخل القصر ثم العودة لمقابلته بعد ساعتين، وأعطاه ملعقة صغيرة فيها نقطتين من الزيت قائلاً: " امسك بهذه الملعقة في يدك طوال جولتك، وإياك أن ينسكب منها الزيت " .
أخذ الفتى يتجول في القصر طيلة ساعتين وهو ينظر بحذر إلى الملعقة، حتى لا ينسكب منها الزيت، ثم عاد إلى مقابلة الحكيم، والذي بادر الى سؤاله : "هل رأيت السجاد الفاخر في الصالون؟ هل استمتعت بالحديقة الجميلة ؟ وهل استوقفتك الكتب الرائعة في مكتبتي ؟". ارتبك الفتى واعترف له بأنه لم ير شيئاً، فقد كان همه الأول ألاّ ينسكب الزيت من الملعقة.
قال الحكيم :« ارجع وتعرف إلى معالم القصر، فلا يمكنك أن تعتمد على شخص لا يعرف البيت الذي يسكن فيه ». فعاد الفتى يتجول في القصر، منتبهاً إلى الروائع الفنية المعلقة على الجدران، وشاهد الحديقة والزهور الجميلة، وطاف في المكتبة الغنية. وعندما رجع إلى الحكيم قص عليه بالتفصيل ما رأى .. فسأله الحكيم :« ولكن أين الزيت الذي عهدت إليك به.. ! » فنظر الفتى إلى الملعقة ولاحظ أنه انسكب. هنا قال الحكيم :« تلك هي النصيحة التي أستطيع أن أسديها إليك .. سر السعادة هو أن ترى روائع الدنيا وتستمتع بها، دون أن تسكب قطرتي الزيت أبداً !».
لقد أعطى الحكيم للفتى سراً سيفيده في مستقبله كملك، ليوازن بين الأشياء وهو يتعرف إليها، لقد كان الزيت هو المشكلات التي تواجه الملك، وكان القصر الجميل بمثابة مملكته الرائعة التي لن يعرفها إذا ظل غارقاً في ملعقة الزيت، وكانت الحكمة ألا ينسى محيطه الذي يعيش فيه وهو يوازن في إدارة البلاد، وإذا فهم الفتى مغزى القصة فلن تعرف التعاسة طريقها إلى بلده وشعبه.