أعطـــت السينما للمخابرات، الكثير من الدروس التي تطبق على طريقة العراب (الفيلم الأشهر في تاريخ السينما) فعندما تريد المخابرات تهديد شخص مشاكس لا توافر طرق المافيا التقليدية المعروفة في ترهيبـــه وإيصال رسالة ذكية إليه، تفيد بمدى بطشهـــم أو مــدى قوتهــم، فيعمـــدون إلى تمويــــه العبارات بغلاف اجتماعي، مثل: (ان شــــاء الله الأولاد مبسوطين في مــدرستهــــم) أو عبـــــارة أخـــرى ذات خصوصية أكبر، مثل: (هـــل دواء الضغط الذي تستعملـــه الحجـــة مناسب لصحتها)، والحجـــة مقصود بها الوالدة، ويقتربون منك أكثر. وهم يؤكدون مدى حرصهم على سلامتك، على شاكلة العبـــارة التاليـــة: (خيراً فعلت باستبـــدال فرامـــل سيارتـــك الفولفـــو بقطع أصلية).
في أفلام المافيا، يطلب العراب من منتج سينمائي في هوليوود أن يعطي دوراً لمغنٍ مغمور، فيرفض المنتــــج ذلك بطريقة تدل على سعة نفوذه وحكمـــة قـــراره، غير أنه لم يدرك أن رفض طلب للمافيـــا معناه مواجهة مع جهــة لا ترحم، والدليـــل أنه استيقــــظ في الصباح، ليجد أن الدماء تغطـــي سريره، إذ تم قطع رأس كلبـــه المدلل ووضعـــوه في سريــره.
وتلك الطرق التي كنا نشاهدها في الأفلام، أصبحت مرجعاً للمخابرات، حيث يتم ترهيب الناس بأساليب المافيا ودلالاتها، مثل: (نحن نراقب أولادك ونعــرف أين مدرستهم، أي يمكن أن نؤذيهم). وهـــم أيضاً يعرفون (ما تعانيه الحجة من أمراض ويمكن إيذاؤها)، ويعرفون متى (يعبثون بمكابح سيارتك الجديدة)، ولا يوفـــرون جهداً في إيصال رسالة لك، تقول ان أحد أعزائـــك يتناول العشاء مع السمك، وهي عبارة مستلة من أفلام المافيا، تفيد بأن الشخص العزيز تم التخلص منه غرقاً.
لقد تعلمت أجهزة الأمن الكثير من أفلام السينما، وخاصة تلك الأفلام التي ذهبت بخيالها الجامح نحو التفنن في إذلال الناس وتحقيرهم. ولطالما يسأل المرء كيف يمكن لضابط مخابرات أن يعود إلى منزله ويقبل أطفاله ويضعهم في السرير، وقد كان منذ ساعات يستمتع بصراخ الأبرياء، بل كان يعذبهم ويمعـــن في قسوتـــه إلى درجة الموت، فكيف يمكن لشخص كهذا، أن يكون أباً وزوجاً وفـــرداً في المجتمع.