توحشت لغة الوصف الإعلامي لأحداث الثورات العربية، وصارت كلمات، مثل قتل ومجزرة واغتصاب قنص ونزوح وإرهاب. وكذلك: عصابات وأسلحة خفيفة وأسلحة ثقيلة وهروب وتمثيل بالجثث، مألوفة إلى درجة أنه باتت تنتابنا الدهشة حين تمر نشرة الأخبار ولا نجد فيها كلمة من ذلك القاموس.

عندما تتحول المفردات إلى أسلحة خداع شامل يمكن من خلالها، تمرير كل ما هو أيديولوجي أو رسمي سلطوي، أو ترهيب وترغيب مرعبين، عبر وسائل الإعلام، مع تكرار مستمر طيلة اليوم، ليرسخ في الذاكرة أن هذه العبارات عين الحقيقة، وأنها هي المطلوبة لتجييش المجتمع أو عسكرته أو تحييده أو بناء قاعدة قوية من العبارات الجاهزة التي تدخل الخزانة الاجتماعية، ويمكن العودة إليها في كل نشرة أخبار أو خطاب سياسي أو تصريح رسمي.

ويمكن للغة أن تطيح بالمعنى السابق لما هو عقلاني، وتستبدله بما هو متوحش، على غرار الحرب الأميركية على الإرهاب، والتي صار لها قاموسها اللغوي الخاص، الذي ينهل منه ويسوقه الإعلام لتصبح مفرداته حاضرة بين الناس، دون النظر إلى قيمتها الدونية.

تأملوا هذه العبارات والجمل: (العدو الغاشم، الهجمة الشرسة، هيبة الأمة، صمود شعبنا، بيدٍ من حديد، العصابات المسلحة، الطامعون بأرضنا، الإعلام المضلل، الرئيس البطل، القائد المفدى، المعلم الأول، الفلاح الأول، السيدة الأولى، الملكة الأم، المصير المشترك، الحاقدون، صغار النفوس، ماضينا المجيد، تاريخنا التليد، غدنا المشرق، حزبنا العظيم، شعبنا الأبي، أمتنا الخالدة). إنها مفردات جاءت مع دبابات العسكر إلى البرلمانات والإذاعات والمدارس، لتكون بديلاً عن الشعر أو الرسم أو المكتبة.

ما تملكه اللغة من قدرة على تشكيل تصوراتنا وإدراكنا، يفوق قدرتنا على الصمود في وجهها أو محاربتها، لأن أكثر البشر تحضراً يمكن أن يقوم بأعمال إجرامية إذا قدمت له اللغة المبررات الكافية لتقنعه بضرورة ما يفعل، وإذا توفر خطاب إعلامي قوي, يمكن لعابر سبيل أو (شبيح) أو (بلطجي) أو (أزعر)، أن يعتدي على فيلسوف كبير في مكان عام، بحجة حماية الوطن من العناصر المارقة.

أليست لغة متوحشة تلك التي تقنع مجرماً بالاعتداء على فيلسوف أمام سمع وبصر الناس، والأكثر توحشاً تلك اللغة التي تقنع الشرطي بعدم الدفاع عن الفيلسوف، وفي مواضع أخرى تشجع المجرم وتحميه!