قيمة ورؤية خاصان، حكماً ووجهاً فكرة وهدف الراحل سلطان بن علي العويس، رحمه الله، من وراء إطلاق مشروع هذه الجائزة، إذ ابتغـــى عبرها، ترسيــخ وإتمـام جوانب تحفيز مختلف أشكال الإبداع، عبر التركيز على تثمين جهود وأعمال الفنانين العرب، الذين زرعوا الأمل في قلوب المشاهدين، سواء في أغانيهـــم أو فــي عروضهم المسرحية أو الدرامية، من خلال المسرح أو التلفاز أو السينما.
خطة وإمكانات
رصد سلطان بن علي العويس، مبلغاً كبيراً لهذه الجائزة، وحاول أن يدمجها مع جوائز مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، إلا أنه لم يستطــع تحقيق وترجمـــة ذلك، نتيجة اصطدامه بمقتضيـات وشـروط اللوائـح الخاصة بآليات عمل الجوائز وقوانينهــا الصارمـــة، وذلك إضافة إلى نظام المؤسســة الذي لا يسمـــح بالتفرد في ترشيـــح الفائزين.
وبذا شخصت هذه القضايا والحيثيات، كحاجز أمام تجسيد رغبة الراحل، في أن يمنح الجائزة تلك، لمجموعة من الفنانين، كان قد رأى وأحس شخصياً، أنهم أسعدوا الناس ورسموا الفرحة في حياتهم. ولكن، حالت طبيعة قوانين الجوائز الخاصة بالمؤسسة، دون ذلك، كونها لا تتعايش مع هذا الأسلوب من العمل الابداعي، ولا مع الاختيارات التي من ماهيته، بفعل أسباب عدة.
تصور موضوعي متكامل
ولم يكن يرغب، رحمه الله، في أن يقوم هو شخصياً، بالترشيح للجائزة، وإقرار الفوز بها من عدمه، بل أراد في تصوره حـــول مشروع الجائزة، أن تقوم جهـــة ما، غير مكتبــــه التجاري، بهذا العمل، بعد أن أغلـــق باب المؤسسة.
ومثل هــــذا الأمر دليلاً على إيمانه العميق بالروح الديمقراطية في الاستماع إلى الــرأي الآخــر واحترامـه، وعدم فرض آرائـــه بالضغـــط، أو بـــأي وسائـــل أخرى قسريـــة، ولكن فقط، إقرار واعتماد وقبول ما يراه من قبل الطــرف المقابل، بعد ان تتوافر لديه القناعة التامة بالأمر.
خطوات مباشرة
وفي النتيجة.. أرسل سلطان بن علي العويس، في طلب: معالي عبدالرحمن بن محمد العويس (وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع - وزير الصحة بالإنابة "حالياً")، عبدالاله عبدالقـــادر.
وطلب منـــا إيجاد مخرج مناسب بشأن موضوع الجائزة وفكرتها، وضمان توفير القدرة على الإعلان عنها، إذ خصصها للفنانين، وأقر قيمتها بمبلغ قدره مائة ألف دولار أميركي، لكل فائز. وطلب من كلينا، تولي مهام ومسؤوليات إدارتها والإشراف على أعمالها وإجراءاتها.
تدارسنا كثيراً، معالي عبدالرحمن بن محمد العويس، وأنا، في ماهية المخرج الأجدى والصيغة الأنسب، بخصوص شكل ومضمون وصيغــة الإعلان عن هـــذه الجائزة، وأخيراً وصلنا إلى حل ملائم، يتمثل في الإعلان عن المكتب الثقافي لسلطـــان العويس، وهـــو مكتب غير موجود فعليـــاً، إلا أننا استحـــدثنـــاه بغرض الخــروج من عنق الزجاجة، وذلك ليكون الجهـــة المخولـــة بتوجيه الدعوات والمراسلات لجائزة "هؤلاء أسعدوا الناس".
مولود جديد في ساحة الإبداع
فاجأ سلطان بن علي العويس الوسط الثقافي العربي، بشكل عام، في الإعلان عن جائزة "هؤلاء أسعدوا الناس" بدورتها الأولى عام 1997، بإدارة المكتب الثقافي التابع له، إضافة إلى موظفي مكتبه، مثل: محمد جندية (من العلاقات العامة)، نواف العمصي (مدير مكتبه). ثم أعلن سلطان بن علي العويس، عن الأسماء التي أحدثت جدلاً واسعاً في كل الأوساط، بين اتفاق واختلاف. إذ تم الاتفاق على اسم ما، وكذا حدث الاختلاف حول أسماء أخرى.
الفائزون
أعلن الراحل سلطان بن علي العويس، أسماء الفائزين بالجائزة، في الدورة الأولى، حيث مثل المبدعون هؤلاء فعلياً: من أسعدوا الناس. وضمت قائمة الفائزين، فنانين من مختلف الدول العربية، وهم : عبد الحسين عبد الرضا، دريد لحام، محمد عبده، عادل إمام. كما أضاف العويس، اسم الفنان سعد الفرج، بناءً على نصيحتنا له، كون ذلك يكفل تحقيق التوازن بين أسماء الفائزين، وقمنا، معالي عبدالرحمن بن محمد العويس، وأنا، بالتخاطب مع الجهات المعنية، وذلك تحت مظلة وباسم "المكتب الثقافي لسلطان العويس"، لتوفير كل مقتضيات وإجراءات حفل الجائزة لتتويج الفائزين.
وغير ذلك من المسائل الخاصة بها. كما قام موظفو مكتب سلطان بن علي العويس، بإتمام الحجوزات، وإنجاز الترتيبات الأخرى المطلوبة لاحتفالية الجائزة. واختيرت القاعة الكبرى، في فندق البستان روتانا - دبي، لتكون مقراً للاحتفال بالجائزة في دورتها الأولى.
حفل مهيب
كان سلطان بن علي العويس، في تلك الأثناء، قد بدأ يشعر بالتعب الجسدي، ولم يكن يرغب في إلقاء قصيدته في مناسبة حفل الجائزة، ولذا رشحنا لهذه المهمة، الشاعر كريم معتوق، ليتولى إلقاء قصيدة من قصائد سلطان بن علي العويس، نيابة عنه، وذلك انطلاقاً من اعتبارات قدرة كريم على الإلقاء، وسلامة مخارج الحروف لديه، وكذا صوته الجهوري وأسلوب إلقائه الناجح والمؤثر.
كان الاحتفال كبيراً ومهيباً وأنيقاً، وحضره، حينها، سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان (وزير خارجية الإمارات، حالياً)، إضافة إلى عدد كبير من أفراد الجمهور، من كل الجنسيات العربية والأجنبية. وتم تكريم الفائزين في الحفل، إذ وزع سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، الجائزة على المكرمين، وقد شملت:
. ميدالية مصنوعة من الذهب الخالص، رسمت على جهة منها، صورة الفائز، ونقش على الأخرى بيت شعري لسلطان بن علي العويس:
وطني دمي ينساب بين جوانحي فكأنه والروح في سواء
مبلغ مائة ألف دولار أميركي
وهكذا ظهرت إلى الوجود، جائزة "هؤلاء أسعدوا الناس" بدورتها الأولى، فاحتفت بخمسة فائزين من الأعلام العرب، في مجالي الغناء والتمثيل. وربما يختلف المحللون بنسب تصنيفهم أو الاختلاف حول أهميتهم ودورهم، إلا أن مشروع الجائزة، وأسماء هؤلاء الفائزين.
مثلا تجسيداً لرغبة خالصة من قبل الراحل سلطان بن علي العويس، في تكريم أهل الفن، وكان يفكر بوضع أمانة خاصة لها، وأيضاً رصد رأسمال خاصاً بها، على غرار ما فعله مع "مؤسسة العويس الثقافية"، وكذلك مع جائزته المحلية في ندوة الثقافة والعلوم في دبي.
توقف.. فعودة
رحل سلطان بن علي العويس فجأة، في الرابع من يناير عام 2000. ولم يكن، رحمه الله، قد اتخذ أية إجراءات تقضي بإحياء واستمرار جائزة "هؤلاء أسعدوا الناس"، رغم اهتمامه بها ومتابعته لها، إلا أن ظروفه، هي ربما التي لم تسمح له بإعدادها كما ينبغي، وظلت الدورة يتيمة، إلى أن جاء شقيقه المغفور له حميد بن علي العويس، مع أخته السيدة الفاضلة أم علي، فأعادا إحياء الجائزة عام 2006، وعادت بالطريقة السابقة نفسها، من خلال المكتب الثقافي، وعبر موظفي "المكتب الرئيس التجاري".
وكانت النية تتركز وتتمحور، في هذه المرة ضمن فعاليات الجائزة: (في الدورة الجديدة للجائزة)، حول خيار تكريم فنانة واحدة فقط، تمنح جائزة "هؤلاء أسعدوا الناس"، وهي: المطربة نجاة الصغيرة. وأتمت كل الترتيبات لإقامة حفل الجائزة والتكريم، في فندق غراند حياة - دبي.
ولعبت السيدة الفاضلة أم علي، حينها، دوراً إيجابياً، في الإعداد والمتابعة لأعمال الجائزة وحفلها المقرر، وذكرتني آنذاك، بشقيقها الراحل سلطان بن علي العويس، خلال أعمالنا وترتيباتنا للجائزة في دورتها الأولى، خصوصاً وأنها بدت تشبه شقيقها الراحل، إلى درجة كبيرة، ذلك في طبيعة تفكيرها .
وكذا اتسامها بالدقة في العمل والمتابعة الحثيثة، إلى جانب تمتعها بالروح الديمقراطية في الأعمال والقرارات المتخذة، إذ إنها تستمع إلى الآخر وتحاوره. كما اكتشفت، أن هناك عدة قواسم مشتركة بينها وبين الراحل سلطان بن علي العويس، من حيث تذوق الشعر والحس الفني والذوق الجمالي للفن. وهذا طبعاً، علاوة على ميزات: الحركة الديناميكية لديها في العمل، القدرة على التخطيط وإبداء الرأي، جراءة الحوار وسلامة القرار.
بهاء في التجدد
كان الاحتفال بتكريم الفنانة نجاة الصغيرة، لفوزها بجائزة "هؤلاء أسعدوا الناس"، عام 2006، في غراند حياة - دبي، جميلاً وأنيقاً. إذ تألقت فيه الفنانة، وبرز الحفل في حلة بهاء ونجاح فريدة. وتضمن قسمين، الأول خاص بالتكريم الرسمي الذي حضره العديد من الفعاليات الثقافية والجمهور الواسع (جمهور مختلط - من الرجال والنساء). وأما الثاني، فقد خصص للنساء فقط.
كما امتدت الاحتفالية، وبعد الاحتفال الأول مباشرة، وفي القاعة نفسها، طوال ساعات إضافية، من دون ملل، بل كان الجمهور في الاحتفاليتين، في منتهى السرور والمتعة والانسجام خلال الاستماع إلى الفنانة نجاة الصغيرة، وهي تشدو في فقرات ومضامين الفيلم الوثائقي الذي قدم عنها.
حيث كان يعرض في حفل التكريم. وبذا فهي لم تكن تغني تلك الليلة، بشكل مباشر (لايف). إلا أن الاحتفالية، بما تضمنته من أغان لها موجودة بالفيلم الوثائقي الذي كان يعرض في الحفل، والذي أُعد وأخرج في القاهرة، مثلت تعويضاً لصوتها الجميل.
اختفاء مجدداً
لعل من أهم النقاط الأساسية التي لازمت إعادة جائزة "هؤلاء أسعدوا الناس"، إلى الحياة، ذلك التصميم الذي أبداه المرحوم حميد بن علي العويس، في إعادة الجائزة إلى الوجود. وهو الذي عاصر اهتمام أخيه، المغفور له سلطان بن علي العويس، بهذه الجائزة، وإصراره على استمرارها ونجاحها. ولكن قدر لها أن تختفي مرة أخرى.
وذلك في ظروف خاصة جداً ومأساوية، تأتت بفعل رحيل حميد بن علي العويس، المفاجئ أيضاً، وذلك بعد الاحتفال الأخير لها، بفترة ليست طويلة. وهكذا القدر بقي بالمرصاد لهذه الجائزة الحيوية، التي كان يمكن أن تسد فراغاً كبيراً، وأن تتميز بالفائزين بها، من نجوم التمثيل والغناء والموسيقى وفن الدراما، عموماً. وهي لم تتقاطع مع جوائز سلطان بن علي العويس الأخرى، في "مؤسسة العويس الثقافية"، أو في ندوة الثقافة والعلوم. ذلك أن لها نكهة خاصة، وأنها موجهة إلى فئة محددة من المبدعين، قلما نجد جوائز مخصصة لها.
أسدل الستار على جائزة "هؤلاء أسعدوا الناس" في المرة الأولى لرحيل مؤسسها سلطان بن علي العويس. ثم عاودت كرة الغياب مجدداً (في المرة الثانية)، مع رحيل شقيقه حميد بن علي العويس، الذي كان قد بعث فيها الحياة. إلا ان هذه الجائزة، ظلت بمثابة المعلم في المجال.
ويبقى الأمل مستمراً، في أن يفكر أحد أفراد أسرة العويس في بث الروح فيها، خاصة بعد ان كانت تحققت أمنية الراحلين سلطان وحميد بن علي العويس، في هذه الجائزة، التي لا أجد لها، مثيلاً أو شبيهاً عربياً، خاصة حينما يتم الاعتناء بالتأسيس المحكم لها، على قاعدة وركيزة الرؤية الموضوعية التي تنأى عن الشللية أو المزاجية، وتسير وفق نظام ولوائح وآليات عمل منهجية، وذلك كما حدث بخصوص جوائز سلطان بن علي العويس في ندوة الثقافة والعلوم بدبي، وجوائز مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية.
