مع الانتشار المتعاظم للعولمة التي تريد تحويل العالم إلى لون واحد، وشكل واحد، نشطت حركة مُضادة لها، تمثلت بعودة الشعوب والأمم، إلى تراثها وفنونها الشعبيّة التي يمكن إدراجها تحت اصطلاح (فلكلور). أي الفنون اللصيقة بعاداتها وتقاليدها وموروثها البصري والشفاهي الذي لا يزال ينبض بالحياة.

ويصر على البقاء والتناسخ، في رحم الحياة الشعبيّة، بهذا الشكل أو ذاك. ذلك لأن الحياة الشعبيّة، ومنها الثياب، تبقى الحاضن الرئيس لهذه الفنون، رغم طغيان اللون الواحد، الذي بدأ يطغى على الحياة المعاصرة، بتأثير وسائط ووسائل الاتصال السريعة، بين البلدان والشعوب، سواء بشكل مباشر، عبر التجارة والزيارات المتعددة الأهداف، أو عبر وسائط الاتصال البصريّة المتطورة والسريعة كالتلفاز والانترنت.

 

تأتي الثياب الشعبيّة في طليعة العناصر المكوّنة للفلكلور، وهي مختلفة الطرز، والأشكال والألوان والوظائف والمواد، من شعب إلى آخر، ومن منطقة إلى أخرى، حيث ترد الثياب على البيئة، وتتوافق مع المناخ، وتنسجم مع الفصول، وفي الوقت نفسه، تُشكّل إحدى الحوامل الرئيسة، لتفكير الإنسان الشعبي ومعتقداته وعاداته ونظرته الى العديد من الأمور الحياتيّة.

تتألف الثياب الشعبيّة (سواء في ذلك ثياب الرجال أو النساء، أو الأطفال واليافعين)، من أجزاء عدة، تتنوع وتختلف، وفقاً للمكان الذي يوجد فيه من يرتدونها: (مدن، ريف، سهل، جبل، بحر، صحراء)، ووفقاً للفصل السنوي:(شتاء، ربيع، صيف، خريف).

حيث يجب على الثياب أن تتناسب مع المناخ السائد (حار، بارد)، فتوفر البرودة لمرتديها في المناطق والأيام الحارة، والحرارة في المناطق والأيام الباردة، وهذه هي الوظيفة الأساسيّة للثياب التي صارت فيما بعد، تُزيّن وتُزوق وتُطرز، بألوان وأشكال ورموز، ترتبط بالبيئة، من جانب، وترتبط بتفكير ومفاهيم ومعتقدات مرتديها، من جانب آخر.

كان لباس الرجال في بلاد العرب قبل الإسلام، بسيطاً، ومؤلفاً من قميص طويل أو جلباب مفتوح من الأعلى، يصل إلى الركبة. وذلك مع حزام مبروم، وعباءة، وكوفيّة وعقال مبسط. وهذا اللباس، يساعد الرجل البدوي والحضري على العمل والحرب والصعود والنزول عن ظهر الخيل ومتون الإبل. وأما بعد الإسلام، فأصبح لباس الرجال أكثر بساطة، يتألف من أربعة أذرع، وعرضه ذراعان وشبر، أما القميص فكان قصيراً يصل بطوله إلى الفخذين، وبأكمامه إلى الرسغين.

وأما الألوان فكان أحبها الأبيض والأسود، أما الأحمر والأصفر فمكروهان.

وفي العصر الأموي وما بعده، ازداد إقبال الناس على الترف باللباس، والتنويع بطرزه ومواده وزخارفه والقطع المشكّلة له، فظهرت العباءة والسراويل والصدريّة والميتان والقشطيّة، والجلابيّة والفروة والقنباز والجبة والمدربيّة والجاكيت، وأيضا البنطال والمعطف الحديث. كما ظهرت ملحقات للباس الرجال. وفي خط موازٍ تصعدت زخارف وتزويقات هذه الثياب، وكثرت ألوانها ومناسباتها ومهامها، وبالتالي ملحقاتها من زنانير وأحذية وأغطية رأس.

 

لباس المرأة

تألف لباس المرأة العربيّة في الجاهلية، من ثوب طويل مفتوح أو مغلق من الأعلى، وتحته "سروالة" واسعة، ثم درع مفتوح عند الرقبة. وفي الشتاء كانت النساء تلبس فوقه، سترة ضيقة، لإبراز صدورهن، ولإعطاء أجسامهن شكلها الحقيقي.

وهذا ما دفع الرسول الكريم محمد، عليه الصلاة والسلام، لتوصيتهن باستعمال العباءة الطويلة عند خروجهن من بيوتهن، على اعتبار أنها توضع فوق رأس المرأة، وتسبل من مفرقها حتى قدميها، وبذلك تستر شعرها، وجزءاً من وجهها وعنقها وصدرها، وتلف به كامل جسمها دون أن توحي بشكله.

وأما لباس الرأس فكان عبارة عن منديل، يعصبنه على الجبهة. واستمرت الأزياء على هذا النحو في العصر الأموي وما بعده، مع المبالغة باستعمال الأقمشة المترفة، والألوان الزاهيّة. ثم جاءت ملحقاتها من الحلي وأغطية الرأس وغيرها.

وبتقدم الحياة، تطورت أزياء النساء، وتعددت طرزها ومناسباتها ومهماتها، وما تحمله من تزاويق وتطاريز، حيث ظهرت البدلة والدراعة والقشطيّة والثوب والكب والشرش والشنتيان والعباءة والزّبون والجرايّة والدامر. ومن ثم ظهر، الثوب المستطيل، الثوب المردّن، ثوب القز، الثوب التلي، ثوب الليلك، السروالة، لباس العروس، الملاءة، المانتو، التايور، البونية.

 

الألوان في الأزياء الشعبيّة

تتنوع الألوان وتختلف في الأزياء الشعبيّة العربيّة، وفقاً للبيئة الموجودة فيها، لكن تغلب على معظمها، الألوان القويّة والحادة، كالأحمر القاني والأزرق والأخضر والأسود. وذلك لتتماشى مع عواطف الناس الجياشة، ولترضي روحهم المتوثبة. وللحد من عاطفية الناس، تحتم على المرأة أن تتستر، أو تحتشم وراء ثياب واسعة، وألوان داكنة، تخفي وراءها معالم جسمها ووجهها وشعرها، وذلك في سبيل الحيلولة دون غواية المرأة.

ويتوجه الذوق الشعبي العربي إلى استخدام الأقمشة المبرقشة، الغنية بألوانها ومواضيعها في الثياب، كما يصر في الوقت نفسه، على انتقاء الأقمشة الساذجة الوحيدة اللون (لاسيما في المناطق الجافة ذات الأرض الجرداء)، مع المبالغة باستعمال الشراشيب وأنواع الخرز والمطرزات اليدويّة الغنيّة بالألوان، كتعويض لهذا النقص في الطبيعة.

 

أشكال وزخارف

تتواكب الألوان في الأزياء الشعبيّة وكذا الأشكال والزخارف والتطاريز، والتي تحمل هي الأخرى، مدلولات ورموزا مهمة ترتبط بفلسفة الإنسان الشعبي وقناعاته وتقاليده، وهي إما هندسيّة صارمة، أو نباتيّة لينة تُعبّر عن موضوعات وهواجس عديدة، بدأت ميتافيزيقيّة، أو أدعيّة، أو تعاويذ، ثم تحولت إلى نفعيّة وقائيّة، ثم فنيّة زخرفيّة جماليّة، ولكنها ظلت مرتبطة، بشكل أو بآخر، بالمصادر الأولى التي جاءت منها.

وتتميز هذه الأشكال والزخارف، بجملة من المقومات والخصائص، منها: التكرار التوازن والتناظر. وهي تشمل عناصر ورموز مختلفة، منها: شجرة الحياة، سنابل القمح، شجرة السرو، الورود والأزهار، السمك، الغزلان، الطواويس، الهدهد، العصفور، البطة، الشمس، القمر أو الهلال، المياه.

وأما الأشكال الهندسيّة فتشمل: الخط الأفقي المستقيم، الدائرة، المثلث، المعين، إشارة الزائد، شارة الزوبعة، الأرقام.. وغيرها. وغالبية هذه الأشكال والرموز، تنتمي إلى أصول أسطوريّة ترتبط بالمعتقدات القديمة لإنساننا. ومن ثم بالتدريج، تحولت إلى عناصر زخرفيّة تجميليّة، يستخدمها إنساننا المعاصر في تزيين ثيابه وفي حاجاته اليوميّة وفي عمارته، دون أن يدرك معانيها، أو يعي مصادرها الحقيقيّة، والمدلولات البعيدة، التي سكبها فيها أجداده القدماء.

واللافت أن زخارفنا الشعبيّة العربيّة، حافظت على طابعها وأشكالها التقليديّة، واستمرت في الحضور، في مجالات فنيّة وتطبيقيّة عديدة، شملت العمارة، والمشغولات اليدويّة والثياب وفنون الكتاب، ذلك رغم عدم وضوح معانيها ودلالاتها وأهدافها ووظائفها، بالنسبة لغالبيّة الناس الذين تناقلوها، جيلا بعد جيل، بحكم الوراثة أو الاستلطاف أو العادة. أو لقيمها التزيينيّة والتجميليّة، أو بحكم الالفة وما تحمل لهم من دلائل الخير والتوفيق والنجاح.