تعيش الإمارات نهضة في حركة التشكيل والفنون البصرية الحديثة، وتشهد ازدهاراً ملحوظاً في هذا الحقل، على مختلف الصعد، ابتداء من الفنان والمعارض والمزادات، وانتهاءً بدعم ومبادرات الجهات الحكومية والخاصة. ولكن التساؤل الذي يطرح نفسه: هل للفنان الإماراتي دور فعال وحضور في هذه الحركة؟ وهل يلقى الاهتمام والدعم الكافي؟
كان عدد الفنانين الإماراتيين فيما مضى، وتحديداً منذ بداية الثمانينات، وإلى أواخر التسعينيات من القرن الـ20، يعد على أصابع اليدين العشرة، ولكن تجاوز عددهم في الزمن الراهن التوقعات، ومعظمهم من الشباب الذين قدموا تجاربهم في مختلف مجالات الفن، بجرأة وثقة، خاصة في مجال التصوير الفوتوغرافي والتصوير التقني، إلى جانب الفن المفاهيمي والتركيبي.
(مسارات) استطلع، ميدانياً، آراء وقناعات مجموعة من الشباب الفنانين والفنانات الإماراتيات، للاطلاع على أبعاد حضورهم الفعلي في الحركة، ومدى الاهتمام والدعم اللذين يتلقونهما، كذلك مستوى تأثير البيئة في بلورة موهبتهم وصقل مهاراتهم. ويمثل الفنانون الذين تم اللقاء بهم، سواء الناشئين منهم أو من تمكنوا من تعزيز مكانتهم في الساحة، مختلف فئات الفنون البصرية التقليدية والحديثة.
آراء متنوعة
يلاحظ المتتبع لحركة الفن على أرض الواقع في الإمارات، وجود العديد من الآراء والقناعات المتناقضة بين الفنانين، بين محتجين على غياب دور أو حضور الفنان المحلي في صالات الفن الخاصة، والتي تفضل اختيار فنانين من خارج المنطقة.
وبين فنانين يعتقدون بأن الفنان الإماراتي يأخذ الدعم الكافي والفرص التي تساعده على بلورة أسلوبه، من خلال التواصل مع مستجدات الحركة الفنية، سواء عبر ما تقدمه المعارض الداخلية، أو بمشاركته في العديد من البرامج الخارجية التي تتيح الاطلاع على تجارب الآخرين من الفنانين الشباب، وزيارة المعارض والمتاحف العالمية، إضافة إلى المشاركة في ورش يشرف عليها فنانون لهم مكانتهم في عالم الفن.
صوت الشباب
في إطار فن التصوير التقني أي الصورة المعالجة ببرامج خاصة في الكمبيوتر، قالت مريم خليفة الفلاسي، خريجة جامعة زايد-متخصصة في الرسوم المتحركة: «حصلنا في السنوات الخمس الأخيرة، على الكثير من الاهتمام والرعاية، سواء من الجهات الحكومية أو القطاع الخاص.
ومثال على ذلك مشاركتي، أخيراً، في مسابقة تصميم شعار جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للسلام العالمي، إلى جانب المشاركة في مشروع (دي إكس بي ستور)، ضمن أنشطة المعرض السنوي (آرت دبي 2012)، وكذلك معرض (سكة الفني) ضمن (أسبوع الفن)».
وفي السياق نفسه، قال الفنان الشاب حمدان الشامسي الذي يتجاوز عمر تجربته الفنية الـ7 سنوات، وشارك في العديد من المعارض، وهو يعمل حالياً كمترجم في بلدية العين: «يحظى الفنانون الشباب في السنوات الأخيرة، بالاهتمام، ومتاح لهم العديد من الفرص لتحقيق حلمهم».
فرص جزئية
تنوعت الآراء على صعيد الفنانين في التصوير الفوتوغرافي والوسائط الحديثة، كالفيديو والفن التركيبي، حيث قال سعود سعيد الظاهري، والذي شارك في عدد من المعارض: «هناك فرص جزئية، وغالباً ما تمنح لعدد محدود من الفنانين الشباب». وبدوره، قال خميس الحفيتي، الذي يعتبر من الفنانين الذين برزوا في التصوير الفوتوغرافي:
«أقترح أن تُخصص في المسابقات الفنية، فئة للفنانين الإماراتيين، كي يأخذوا حقهم وفرصتهم. والمؤلم أيضا أن حركة الفن محصورة بين ثلاث إمارات في الدولة فقط: أبوظبي ودبي والشارقة. فماذا عن الفجيرة ورأس الخيمة؟ لم لا يحظى الفنان في هذه الإمارات بأي دعم أو ينال أية حوافز كالمسابقات والجوائز والمعارض، ذات المعايير العالمية، أسوة بالإمارات الأخرى؟».
المناخ والبيئة
كان للتشكيلي والمصور خليل عبد الواحد، رأي مخالف لزميله الحفيتي، إذ قال: «إن فتح المسابقات لجميع المقيمين على أرض الإمارات، يخلق تنافساً وحافزاً لتطور وتجاوز الفنان قدراته وتوقعاته عن نفسه، وبقدر مثابرة واجتهاد الفنان لصقل موهبته وأدواته الفنية، تتوفر له فرص أفضل.
كما يحمل الفنان الشاب مسؤولية في هذا الإطار، فإنه إذا لم يقم بتسويق نفسه بداية من خلال المشاركة في الأنشطة والمعارض، فكيف سيتمكن الناس والجهات من التعرف إليه وإلى موهبته؟ أظن أنه على الفنان أن يحضر في الساحة الفنية وفي المعارض، للتعرف إلى نقاط القوة عنده، وعلى ما يحتاج إلى تطويره. أما العقبات التي تواجهه في بداية الطريق فتساعد، دون أن يدري، على اكتشاف قدراته».
تشجيع
كان للشابة خولة درويش، بالمقابل، والتي يتجاوز عمر تجربتها في الفن التشكيلي والتركيبي، الـ6 سنوات، رأي مخالف. وقالت في هذا الخصوص: «لا يقتصر دعم الفنان على الجهات المعنية، بل انسحب هذا الدعم إلى البيئة والمجتمع، إذ باتت العائلات تشجع أبناءها على دراسة الفن، وأخذت تفخر بنجاحهم، وهذا يشكل صورة معاكسة لما كانت عليه قيمة الفنان، فيما مضى».
حلقة مفقودة
ومن جهتها، قالت الفنانة كريمة الشوملي، والتي باتت من الأسماء البارزة في الساحة الفنية، ضمن حقل الفن التركيبي والمفاهيمي، كما تعد حالياً لشهادة الدكتوراه بمنحة من (جائزة الشيخة منال للفنانين الشباب) وأيضاً (هيئة أبوظبي للثقافة والتراث): «الدعم والاهتمام متوافران، لكن الحلقة المفقودة حالياً، هي تسويق الفنان المحلي، أسوة بالنهج الذي تتبعه صالات الفن الخاصة التي تسوق للفنانين المشاركين في معارضها.
والذين تتعاقد معهم. كما نلاحظ اهتمام هذه الصالات بالفنانين الأجانب، أكثر من الفنانين المحليين. والسبب يرجع إلى ارتفاع مردود مبيعات الفنانين الأجانب، مقارنة بضعف نسبة اقتناء الأعمال الإماراتية».
دعم ذاتي
أما التشكيلي والنحات، مطر بن لاحج، الذي استطاع أن يرسخ مكانته في الساحة الفنية، قبل ازدهار الحركة الفنية، ليأخذ في الوقت نفسه، بيد العديد من المواهب الإماراتية الواعدة، ويحرص على رعايتها ومتابعتها، إلى جانب زرعه حب الفن في نفوس أجيال المستقبل.
فكان له رأي مختلف في القضية المطروحة: «كنت منذ البداية، أدعم نفسي بنفسي. وفتح لي الاعتماد على جهودي الفردية الكثير من الآفاق الجديدة على أرض الواقع. وبالطبع فإن فرص الفنانين الشباب أكبر بكثير من الماضي، لكن الخوف على الفنانين الشباب هو من استسهال الفن والاستهانة بالفرص المتاحة لهم.
وأنا لا أبالغ في هذا المجال، ويكفي أن تقترح أي مشروع على فنان لا تتجاوز تجربته الـ3 سنوات، حتى يسألك (بكم؟) والقصد طبعاً القيمة المالية. كما أعتب على الإعلام في بعض الأحيان، لمبالغته في الإشادة والإطناب بمواهب متواضعة، أو بتلك التي لا تزال في بداية مشوارها، فهو أمر يسيء إلى تلك المواهب، من دون قصد».
ومن منظور آخر قال الشاب ناصر نصر الله، المتخصص في فن الرسم المصور القريب من فن (الغرافيتي): «أعتقد أن الفنان الإماراتي يحصل حالياً على العديد من الفرص التي لم تتوافر في السابق، فهناك عدد من صالات العرض والجهات المعنية بالفن تتبنى فنانين إماراتيين وتتعاقد معهم، مثل صالة (الخط الثالث) و(سويس آرت) وغيرهما، إذ يتم التسويق للفنان، محلياً وفي الخارج، على حد سواء، إضافة إلى الأنشطة الأخرى».


