النسيج فنون ملونة على مرّ العصور

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يعكس النسيج الكثير من الفخامة والترف في حالات معينة، أو يكون دعوة إلى الإحساس بحالة من حالات الفقر والحرمان، أو تعبيرا عن العديد من الحالات الاحتفالية، فالسجاد الأحمر يفرش للزوار الكبار من قادة الدول، أو يمشي عليه النجوم في المهرجانات السينمائية، بينما تكتب العبارات الترحيبية على المساحات النسيجية.

 

رغم أن النسيج هو أحد الأشياء التي نستخدمها في عصرنا الراهن، لكننا لا نستطيع معرفة التاريخ الدقيق لبداية استخدامه، إذ يقال عن اكتشاف ألياف من الكتان المصبوغ في كهف في جورجيا يعود إلى ما قبل 3600 سنة، وإن دل هذا على شيء فهو يدل على أن المواد شبه النسيجية، صنعت في أزمنة بعيدة جداً.

تهدف الوظيفة الأولى للنسيج إلى حماية الجسد وتغطيته، ورغم ذلك لم يحفظ التاريخ الثياب الشعبية، في وقت حفظت فيه ملبوسات البلاط التي كانت تتشابه من حيث نوعية الأقمشة الفاخرة والمطرزة. ولم يقتصر استخدام النسيج على الملابس، بل في أشياء تستخدم بشكل يومي، مثل السجاد وأقمشة المفروشات والستائر، أو حتى في صناعة بعض الأعمال واللوحات الفنية، وإن بقيت طريقة الصنع واحدة، لكن تركز الاختلاف في نوعية الخيوط التي تشكل المنسوجات على اختلافها.

 

متحف النسيج

يعتبر النسيج مادة مرنة تتألف من شبكة من الألياف الطبيعية والاصطناعية، والتي تسمى الخيوط، وتصنع الخيوط عادة، بغزل ألياف الصوف الخام أو الكتان أو القطن، أو مواد أخرى على دولاب الغزل لتصنيع حبل طويل، وتكون ألياف الغزل عادة، إما طبيعية أو اصطناعية.

كما تشير كلمة النسيج في الأصل إلى النسيج المنسوج، والذي يشمل أيضاً : النسيج المحال أو المترابط باللصق، النسيج الملبد أو ذو الوبرة. ويتم تشكيل المنسوجات بواسطة عمليات النسج، وتتمثل في تعاشق مجموعتين من الخيوط المغزولة، وهما «السدى واللحمة». وقد يصنع المنسوج بأسلوب الحياكة والنسيج.

وبالعودة إلى التاريخ يتضح أن شعب «الإنكا الكيبيو» قد أبدع النسيج المصنوع من الألياف الحيوانية «البروتينية»، كالصوف المغزول والمبروم، أو شعر الجمل و(الألبكة)، و(اللاما) أو السيليلوز. كما عرفت مصر القديمة صناعة النسيج، ولهذا السبب خصص متحف للنسيج في عهد محمد علي باشا.

ويشتمل على قطع فنية تبين تطور النسيج المصري على مر العصور، ويشرح المتحف التطور بالمجال، في مختلف اقسامـه، بدءا من القسم الفرعوني فيه، وفيه عرضت معظم المنسوجات الفرعونية المصنوعة من الكتان، والتي جمعت في أشكالها، بين أسلوب الزخرفة، أو استخدام الحروف الهيروغليفية منسوجة بأسلوب القباتي، كما عرض نسيج الكتان الرقيق، والرسم والطباعة على القماش بألوان مختلفة.

وتطور النسج في العصر القبطي، عندما عمد الناس حينها إلى تنسيل «اللحمات» لعمل «الكنارات». وأظهر الأقباط حرية وتطور أكثر من قبل، مع أنهم أبقوا على فكرة الفراعنة في تناسق الألوان واستخدام «الوبرة والتباستري». وإن ظهر الاختلاف في الموضوعات بحسب الارتباط بالعقيدة. لكن العقيدة بدت مختلفة تماما في العصر الإسلامي.

فالمنسوجات في ذلك الزمن ابتعدت كل البعد عن الكائنات الحية، مع العلم أنه في بداية العصر الأموي، ظهرت بعض من ملامح الفن القبطي، إلى أن تطورت العقيدة والأسلوب. وظهرت الزخارف النباتية والحيوانية على الأقمشة، لكن بطريقة محرفة وبعيدة عن الطبيعة، واستخدموا نسيج الصوف، وكانت الملابس هي عنصر التواصل بين الملوك والأمراء في العصر الإسلامي.

أما في العصر الفاطمي، فظهر قماش الأرضية وهو مصنوع من حرير، وكتب عليه آيات قرآنية، أو اسم الشخص المهدى منه، مثل كسوة الكعبة المعروضة بالمتحف، وعليها كتابات باللون الذهبي بغرزة الحشو، ومن خلال هذه القطع وغيرها، يتضح تطور النسيج عبر التاريخ، كما يتبين أن معظم الملابس الموجودة حاليا مقتبسة من التي كانت في العصور السابقة، مع بعض التطوير، حيث عمل المصممون على اقتباس بعض الزخارف، وإعادة صياغتها بما يتماشى مع الوقت الحاضر.

 

النسيج الإسلامي

النسيج هو مادة مرنة تتألف من شبكة من الخيوط أو ألياف النسيج. وألياف النسيج إما أن تكون أليافا طبيعية أو أليافا اصطناعية ؛ ويتكون النسيج من إنتاج و غزل الصوف، والكتان ، والقطن ،والحرير (ألياف طبيعية) أو غيرها من المواد المركبة صناعيا( ألياف اصطناعية)مثل النايلون والأكريليك.

المنسوجات يتم تشكيلها بواسطة عمليات النسج والتي تتمثل في تعاشق مجموعتين من الخيوط المغزولة (خيوط السدى وخيوط اللحمة)، وقد يصنع المنسوج بأسلوب الحياكة، واللانسيج.

استخدم المسلمون الفنون النسيجية في جوانب حياتهم كافة، لتلبية حاجاتهم اليومية من الملابس والأثاث، أو إرضاء لرغباتهم الكمالية والفاخرة، ولم يتمكن أي مجال آخر التعبير بصورة أفضل عن أسلوب ونمط حياتهم والشعور الذي يخالجهم حيال الجمال والروعة والقدسية.

وبموجب الأعراف والعادات السامية، وبالاعتماد على العرف السائد بأن يلبس الناس ملابس طويلة وفضفاضة، أصبحت الألبسة والعمائم، وكذا المنديل، والتي تتميز بالعظمة والروعة، وسيلة تبعث في المرء روحا ونفسا ترتقي به إلى مقام سام، يعلو فيه عن سائر كائنات الخالق، ويعد هذا النمط من الملابس أحد القواسم المشتركة العديدة، التي يلتقي فيها المسلمون واليهود والمسيحيون في الشرق.

ويعبر هذا الزي البسيط واللائق في آن، عن القوة والنفوذ، إذ ان مراتبه تقوم بكاملها على جودة الرداء وهيئته وزينته، حتى لو حافظت مقوماته على ثباتها، ففي عهد الخلفاء استوحت المنسوجات من النموذجيين البيزنطي والساساني، الروابط والعلاقات التي تجمع بين النسيج والسلطة.

ومن هنا نشأ الطراز الفارسي الأصل المرتبط بفكرة التطريز الحديث، متأتيا عن شريط النقوش الكتابية أولا، والذي يحمل أسماء الخلفاء وألقابهم، وتعابير تمجيدهم، ويشمل هذا المفهوم بصورة عامة القماشة التي تحمل اسم الشرائط المنقوشة، ومن ثم المشاغل الملكية التي تعنى بصناعتها.

وكان دار الطراز إما مشغلا خاصا يقع في القصر، أو عاما فيصبح بيع منتجاته في هذه الحالة مصدرا هاما يرجع بالعائدات والإيرادات على خزينة الدولة، كما كانت هذه المشاغل تهتم بصناعة الأنواع الفاخرة التي تغذي سياسة النفوذ والمنح والهدايا.

 

في القرون الوسطى

اعتمد في صناعة الأثاث، في القرون الوسطى، على النسيج بشكل رئيس، من أغطية ووسائد إلى سجاد وبسط وستائر الأبواب، وهو ما كان يعيد إلى الذاكرة حياة الصحراء، وترف المملكات في العصرين البيزنطي والساساني، فأبدى العرب إعجابهم بهذا التناقض بين الحياة الحضرية والبدوية، ما أدى إلى بروز هذا التناقض جليا في البلاط، وكان للستار الذي يحجب الخليفة عن أعين المشاهدين، ذكرى مرتبطة بالقصور الساسانية.

وحدد السجاد إطار السلطة والنفوذ، ووضعت الأجواخ داخل القاعات الكبيرة، أما الوسادات التي يتكئ إليها الناس فتعكس حياة كبراء الأشـراف وشيوخ الجماعات في الخيام، وكثيرا ما تحدث المؤرخون عن القصــور القماشية التي تحيط بها أسوار الكتاب، فأمست مدنا قماشية وجد فيها العباسيون والفاطميون المتعة والراحة والسرور.

كما تكدست في مخازن القصر الرايات والبيارق المزينة بالزخارف التصويرية، وفي عملية النهب التي وقعــت عام 1067 في القاهرة، كان منزل المستنصر مليئا بكميات هائلـــة من الأقمشــة الفاخرة، ولطالما اعتبرت أقمشة الأثاث والملابس الفاخرة المطرزة، بمثابة اكتناز أو حافظة معدنية.

ومن هنا يستخدم العرب كلمة «خزانة» لوصف خزانة الملابس وخزينة الدولة، إلى جانب أن أغلبية الناس كانوا يتقاضون أجورا ومكافآت على شكل أقمشة، ولا تزال هذه الذكرى متمثلة في الوقت الراهن في المدن الكبرى، حيث تقع أسواق الأقمشة على مقربة من المصارف، وفي الاحتفالات بلغ النسيج الفاخر أوجه، كما في احتفالات افتتاح قناة السويس في القاهرة،عندما فرش السجاد وفتحت المظلات ورفعت الأعلام، بشكل استثنائي ومدهش.

 

حكاية النسيج في الغرب

استخدمت الأنسجة البيزنطية في مذاخر كنائس الغرب، في فرنسا وسويسرا وألمانيا وبلجيكا وإيطاليا. واستخدمت لتغليف ذخائر القديسين. كما استخدمت أقمشة ثمينة لحياكة ألبسة الكهنة. أو غيرها من الملابس الدينية. ولا تكشف التنقيبات الأثرية في الغرب، إلا عن أنسجة عادية للاستخدام اليومي، مع وجود بعض الاستثناءات، مثل عصابة رأس وجدت في أراضي بلغاريا الحالية، وبقايا نسيج حريري في لحد احد أعضاء الطبقة الأرستقراطية الذي دفن في كنيسة القديس أخليس في (بريسبا)، أو بقايا ثوب نسائي في (ميسترا) في اليونان.

وتميزت الأنسجة في ذلك الوقت بألوان بدت الأكثر شيوعا من غيرها، وهي الأزرق القاتم على أساس اللون النيلي، والأصفر المستخرج من النباتات، والأحمر الذي استخرجه الصباغون من إحدى النباتات، أو من دودة القرمز التي تملك صباغ اللون الأحمر الذي ينعكس على بنفسجي خفيف.

واستخرج الأرجواني الذي يعتبر أكثر فخامة من نوع معين من الأصداف التي وجدت في الآثار اليونانية والرومانية، وبالنسبة للحقبة البيزنطية جاء النسيج المصبوغ بالأرجوان من أكثر النماذج جمالا، وهو موجود في كاتدرائية (سيون) في سويسرا. وقد زينت الزخارف أقمشة بيزنطية، وكانت عبارة عن مخلوقات عجيبة من وحي الشرق الأدنى، مثل (السيمورغ) وعنقاء المغرب.

كما تواجدت الأحصنة المجنحة والعنز البري التي تزين العديد من لوحات جص المرمر والأختام الساسانية على الأنسجة أيضا، وعرفت بيزنطة وحدات هندسية شكلت في بعض الأحيان الزخرفة الوحيدة للنسيج، أو تداخلت مع زخارف نباتية أو مصورات، ومنها ما حفظ في مذخر كاتدرائية (لييغ) ويجمع بين تشابك الورود وطغراء الإمبراطور هيراكليوس.

وفي مراحل متقدمة ظهرت الزخارف الشرقية التي تبين التأثير العربي الإسلامي، حتى أنهم استخدموا الأحرف الكوفية، لما تمثله من قيمة زخرفية. وظهرت رسوم جدارية أو ما يسمى بالمنمنمات.

وعلى الرغــم من قلة نماذج التطريزات لكن ما بقي منها، في القرنين الرابع عــشر والخامس عشر، يجسد عظمـــة التطريز، الذي أنجـــز بطريقـــة درزات مائلـــة بخيـوط ذهبية، أو فضية.

Email