هناك مقولة سائدة في عالم الرياضة يرددها الجميع "سرا"، ولكن لا يفصح عنها أحد "علانية". هذه المقولة مفادها أن ذوي الأصول الإفريقية، أي "السود" يجرون بسرعة أكبر من البيض. إن رئيس تحرير مجلة "ايكيب ماغازين" الرياضية السابق "جان فيليب لوكلير" يطرح في كتابه الأخير المسألة المحظورة الخاصة بالعلاقة بين الرياضة ولون البشرة. وقد اختار لكتابه عنوان هو السؤال التالي: لماذا يجري البيض بسرعة أقل؟ أي أقل من السود.

وعلى خلفية السؤال الأساسي الذي يمثل عنوان الكتاب يطرح المؤلف أسئلة أخرى من نوع: لماذا يسيطر الأفارقة، والأميركيون من أصول إفريقية وأبناء منطقة جزر الانتيل على بعض الرياضات؟ وهل يمكن تفسير هذه الهيمنة "السوداء" بأسباب اجتماعية أو تاريخية أو علمية؟

ينطلق المؤلف في تحليلاته من مشاهدة أثبتتها الإحصائيات، ومفادها أنه من أصل الـ80 عداءً رياضياً استطاعوا قطع مسافة 100 متر بأقل من 10 ثوان منذ عام 1968 حتى اليوم هناك 78 بينهم من السود. فما هو تفسير هذه الظاهرة؟ وأين تكمن الحقيقة؟ .إن المؤلف وفي محاولة للإجابة على هذين السؤالين يقوم باستقصاء عميق لدى 50 من الرياضيين ورجال العلم والعدائين السابقين، من أجل محاولة التمييز بين "الأساطير" و"الواقع".

ويقول المؤلف إن بعض علماء المورثات الجينات- ذوي الشهرة المعترف فيها عالميا قدّموا فرضية أكدوا فيها أن هناك "جاهزية طبيعية" لدى السود للجري بسرعة أكبر من البيض. بل يذهب بعض العلماء الأستراليين إلى حد القول إنه تم التعرف على "مورثة" أطلقت عليها تسمية "ACTN-3" (الفا اكينين-3) عام 2003.

أما ما يقوله التاريخ الرياضي فهو أن هذه "السلطة السوداء" لم يستطع أحد تجاوزها منذ أن تحدّى الأميركي- الإفريقي "جيمس اونيس" هتلر عام 1936، وحتى العداء الجامايكي الشهير أوزين بولت. لقد تجاوزها عداء واحد شاب "أشقر الشعر" هو الفرنسي كريستوف لوميتر.

ومنذ البداية "يحذر" المؤلف قارئه من "التسرع في إصدار الأحكام"، ذلك أن "الموضوع شائك جدا وأكثر تعقيدا مما يبدو". وهذا يعود بالتحديد إلى أن التحليلات تنطلق من "مسلمات" تبدو حقائق واضحة على ضوء الإحصائيات والوقائع الرياضية. مثلا لم يتأهل منذ عام 1948 أي عداء أبيض للدور النهائي في سباق 100 متر خلال الألعاب الأولمبية. وللتعرف على بطل أولمبي أبيض على هذه المسافة تنبغي العودة إلى عام 1980 والرياضي الأسكوتلندي آلان ويلس، وذلك في الألعاب الأولمبية التي نظمتها موسكو وقاطعتها بلدان عديدة في مقدمتها الولايات المتحدة بأوامر من جيمي كارتر.

هذا الكتاب هو في الواقع مزيج بين الدراسة والتحقيق الصحفي. ويستطرد صاحبه "لدي القناعة المطلقة أن مسألة البيض- السود في الرياضة لا ينبغي تجاهلها أو الهروب منها أو احتقارها تحت أي سبب"، كما يكتب المؤلف. ثم يؤكد أن العديد من العلميين في البلدان الانكلو-سكسونية ينكبّون على هذا الموضوع يوميا، وأن هناك "كتبا ومقالات" تطرحه للنقاش. لكن بالمقابل يبقى الجميع بين "الكفاءة الرياضية" و"لون البشرة" من المحظورات في فرنسا.

القسم الثاني من الكتاب يتسم بقدر كبير من المظاهر التقنية. وهو يحمل عنوان: "المسألة في المورثات- الجينات". ويتم التعرض فيه إلى "مورثة- جينة ألفا اكينين 3" ذات العلاقة بـ"الجري". والإشارة أن هناك ثلاثة أنواع من هذه "المورثة"، وهي "القوية" و"الضعيفة" و"الحيادية".

والإشارة هنا أن الدراسات توصلت إلى نتائج متعارضة، حيث أكدت بعضها أن الرياضيين الجامايكيين يمتلكون "مورثات قوية"، مما يفسر فوزهم في سباق المسافات القصيرة، بينما تؤكد أخرى أن الكينيين من كينيا- يمتلكون نسبة أكبر من "المورثات القوية" مما هو لدى الجامايكيين، ولكنهم ليسوا معروفين في كفاءاتهم الاستثنائية في سباق المئة متر.

في المحصلة النهائية يصل المؤلف إلى القول نقلاً عن الرياضي الجامايكي الشهير "بولت" ما مفاده: "إن أمر الفوز في السباقات القصيرة لا يتعلق بالتشريح الجسدي ولا بمسألة العرق. وقيمة الفرد هي بنظري العنصر المحدد الحاسم". ومؤلف هذا الكتاب يبرهن أن الأمر كان كذلك دائماً.

 

إجابات غير نهائية

من خلال تقصّي أحداث تاريخية مختلفة عرفتها الرياضة العالمية وبلورت مفهوم العرق، يؤكد المؤلف أن هذا المفهوم لا يقدّم إجابة نهائية على "الهيمنة المزعومة للسود على البيض" في مجال الجري على مسافات قصيرة. والتأكيد أيضا أن العديد من العلماء الذين سألهم رأيهم لم يقدّموا أيضا أية إجابة نهائية.

 

المؤلف في سطور

جان فيليب لوكلير، هو رئيس تحرير سابق لمجلة "ايكيب ماغازين" الرياضية، أو "الفريق الرياضي". يساهم كذلك بالكتابة في العديد من الصحف والدوريات الرياضية الفرنسية. من مؤلفاته: "بلاتيني: قصة لاعب". يعمل الآن منتجا تلفزيونياً.

الكتاب: لماذا يجري

البيض بسرعة

أقل؟

تأليف: جان فيليب

لوكلير

الناشر: غراسيه

باريس 2012

الصفحات: 337 صفحة

القطع: المتوسط

Pourquoi les blancs courent moins vite

Jean Philippe Leclaire

Grasset - Paris- 2012

337 .P