عرفت القارة الأوروبية عموماً والأمة الألمانية خصوصاً مساراً تاريخياً مضطرباً، وكانت القارة القديمة هي الأرض التي انطلقت منها الشرارة الأولى للحربين العالميتين الأولى والثانية. وأستاذ التاريخ في جامعة كاليفورنيا وليام دبليو هاغن، يكرّس كتابه الأخير لـ "تاريخ ألمانيا في الأزمنة الحديثة".
وفي هذا التاريخ "الحديث" للأمة الألمانية يشرح المؤلف أن هناك تداخلًا كبيراً بين "الفرد والمجتمع والثقافة والسلطة العامة"، وبدرجة أكبر مما هو في بقية الأمم الأوروبية الغربية. وبدلًا من النظر إلى الألمان كـكيان جماعي وكنتيجة لعملية تكدّس تاريخي، فإن هذا الكتاب يعتبر المسار التاريخي الألماني منذ الحقبة ما قبل الحديثة لـلإمبراطورية الرومانية المقدّسة، وحتى فترة ما بعد الحرب الباردة.
ومرورا بالقرن التاسع عشر وحربي 1914-1918 ثم 1939- 1945، بمثابة مسار متعرّج. وهذه الفترات كلها يصفها المؤلف على أنها عوالم متعاقبة في الحياة الألمانية وفي الفكر الذهنية الألمانية، بهذا المعنى يتحدث في عنوان الكتاب عن "حيوات جمع حياة- الأمة".
ويحاول المؤلف أن يبرز نقاط التباين بين مختلف هذه العوالم، مع حرصه على أن يشرح المسارات التي تقود من عالم إلى آخر. والتأكيد بالوقت نفسه أن ألمانيا هي بلاد متعددة المراكز ومتعددة الثقافات. وهي بهذا المعنى وريثة الإمبراطورية النمساوية التي سادت عليها سلالة "هيبسبورغ" الشهيرة.
تتوزع مواد هذا الكتاب بين أربعة أقسام رئيسية يبحث الأول منها في "ألمانيا داخل أوروبا الوسطى قبل ظهور النزعة القومية الحديثة"، أو ما يسميه المؤلف بـ"ألمانيا ما قبل الحديثة" والتي يدرس "هرم السلطة" فيها. ويحمل القسم الثاني عنوان: "الهويات الألمانية بين اللبرالية والقومية الاشتراكية" وحيث يتم الحديث عن "قرن التنوير الألماني" بالتوازي مع "عصر التنوير الفرنسي".
عنوان القسم الثالث هو: "أمة في حالة أزمة"، ذلك بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية ،الأولى 1914-1918 ثم في الثانية 1939-1945. القسم الرابع والأخير يخص: "ألمانيا في فترة الحرب الباردة ثم ما بعد الحرب الباردة- إثر انهيار جدار برلين وصولا إلى "ألمانيا اليوم".
ويحدد المؤلف القول أن التاريخ الألماني يتسم بأشكال من الاستمرارية الاجتماعية والسياسية، ولكن أيضا بسلسلة من أشكال التبدل التي تجد صداها في العنف الذي عرفه التاريخ الألماني الحديث، خاصة خلال النصف الأول من القرن العشرين.
فخلال هذه الفترة انقسمت الأمة الألمانية إلى أمّتين متنافستين على خلفية انتمائهما إلى منظومتين سياسيتين متعارضتين ونظامين اجتماعيين متصارعين. ويشرح عملية إعادة توحيد الألمانيتين بعد سقوط جدار برلين في الفصل الأخير من الكتاب الذي يحمل عنوان: "ألمانيا اليوم: مشهد ما بعد التوحيد بين الغرب والشرق"، أي شرق ألمانيا وغربها.
وفي الصفحات التي يكرسها المؤلف للحديث عن العلاقة بين السياسة والمجتمع في ألمانيا خلال فترة ما بعد نهاية الحرب العالمية الأولى 1918- وعام 1933، أي بداية صعود الهتلرية، يؤكد المؤلف أن صعود التيار "القومي الاشتراكي" الذي مثلته النازية كان أحد "الثمار المرّة للديمقراطية" وعلى خلفية حالة الاستياء التي عرفتها الطبقات الوسطى في ألمانيا، ذلك بالتزامن مع الانتشار الواسع للأفكار التي تخاطب الشعب بالطريقة التي يحبها.
بكل الحالات يتحدث وليام هاغن عن ألمانيا ما بعد توحيد شطريها أنها بمثابة "أمة تعاد صياغتها على أنقاضها، توحيد شطريها أنها بمثابة "أمة تعاد صياغتها على أنقاضها"، بعد هزيمتها المزدوجة في الحربين الكونيتين، الأولى والثانية.
أيضا يؤكد المؤلف على سمتين أساسيتين في التاريخ الألماني، هما أن ألمانيا معقدة ومتنوعة تبعا للحيّز الجغرافي الذي شغلته وللفترة الزمنية عند الحديث عن الشعب الألماني. ذلك على أساس أن ألمانيا باعتبارها دولة- أمة حسب النموذج السائد في الغرب منذ القرن التاسع عشر، لم تقم سوى في عام 1871، أي في السنة نفسها التي قامت فيها "كومونة باريس". لكن هذا لا يمنع واقع أنه كان هناك "عالم جرماني" وكان يتمتع بقدر ما من "الانسجام" على الأصعدة اللغوية والثقافية وأحيانا السياسية.
الكتاب: التاريخ الألماني في الأزمنة الحديثة
تأليف: وليام دبليو هاغن
الناشر: جامعة كمبردج 2012
الصفحات: 482 صفحة
القطع: المتوسط
German history in modern times
William W. Hagen
Cambridge University Press - 2011
482 .P

