شاعت فكرة مفادها أن السينما ترمي، بالدرجة الأولى، إلى متعة المتفرج، لكن المخرج السينمائي الشهير جان لوك غودار، لم يتردد في القول، إن السينما فكرة تأخذ شكلا إنها شكل الفكر. والباحث الفلسفي فيليب شوفالييه والناقد والمؤرخ السينمائي انطوان دوبيك، يقدمان كتابا مشتركا، تحت عنوان "قاموس فكر السينما".
ويحدد المشرفان على هذا الكتاب هدفهما منه، منذ البداية، بالقول، إنه يرمي إلى مساعدة القارئ على تكوين فكرة واضحة عن مشكلة تخص جانبا سينمائيا، مثل: مجال السينما أو عملية المونتاج أو مفهوم السينما لدى أحد المفكرين والنقاد. وهنا يتم ذكر اندريه بازين، إذ كان من أوائل الذين قدّموا نصوصا نقدية في ميدان العمل السينمائي. وكذلك جيل ديللوز، أحد أكبر الفلاسفة الفرنسيين في القرن العشرين، والفيلسوف المعاصر سلافوج زيزيك، وغيرهم.
ويبدو ان عددا من مداخل هذا الكتاب ـ القاموس، تخص أفلاما سينمائية معيّنة، ذلك من أجل إبراز الكيفية التي تفكر بها السينما. ومن خلال الحديث عن عدد من الأفلام ذات المضمون السياسي أو الاجتماعي، يقدم المؤلفان نوعا من الرؤية الشاملة ـ بانوراما ـ مكتملة إلى أقصى درجة ممكنة عن الطريقة التي أدرجت فيها السينما، منذ ما يزيد على قرن من الزمن، أفكار عصرها في أعمالها.
فمن المعروف مثلا، أن فيلم "الدكتاتور" الذي قدّمه شارلي شابلن، كان بمثابة مشروع نقدي واضح وصريح وعنيف، حيال ادولف هتلر، كما عد فيلم "زد" مناقشة جدية لظاهرة الفساد السياسي على مستويات السلطة.
ومن الأفلام التي يتم التركيز عليها أيضا، فيلم "ولادة أمّة"، لمخرجه دافيد وورك غريغيت، وفيلم "نعرف الأغنية" لآلان روني. ويلجأ المؤلفان أحيانا إلى استعراض تقنيات السينما نفسها، للتأكيد على أن الفن السابع ليس مجرد "فن الصورة"، وكذا ليس مجرّد "فن بصري"، ولكن كل فيلم يحتوي على خطاب ينبغي على المشاهد البحث عن كيفية الكشف عن مضمونه. وبهذا المعنى، فالمطلوب ليس رؤية الصورة فقط، ولكن أيضا التبصّر بمعناها. وهذا لا يلغي أبدا الفكرة الأساسية للسينما، وهي أن المستوى الأول للتعامل مع أي فيلم سينمائي، هو مشهادته بكل ما يحتوي عليه من أبعاد جمالية.
وتحت عنوان "المرئي" أو "ما يمكن رؤيته"، يحيل مؤلف هذا المدخل إلى مدخل "معجزة". ونقرأ في هذا الإطار، ما مفاده أن: "السينما هي قبل كل شيء معجزة.. تعيد من خلال أدواتها الخاصة تعريف ما هو مرئي".
يتم التأكيد بأشكال مختلفة في هذا الكتاب ـ القاموس، على أن الأعمال السينمائية الكبرى فيها، بالضرورة بعد فكري. كما أن المخرجين الكبار، من أمثال جان لوك غودار وكريس ماركر وغي ديبور وستانلي براكاج، استخدموا السينما من أجل تقديم فكر مرئي ومجسّد في صور.
ويُنقل عن جان لوك غودار قوله، إن السينما جرى اختراعها أصلا من أجل أن تكون أداة للفكر، وخاصة للتفكير بالقرن العشرين، ولكن القرن العشرين لم يشأ لها أن تكون كذلك، وكرّس لها أدوارا أخرى".
ويشير المؤلفان إلى أن الفيلسوف الفرنسي جيل ديللوز، كان يرى أن المشكلة لدى جان لوك غودار كانت في كيفية جعل الصورة تقول شيئا ما.
وفي المدخل الخاص بالناقد غي ديبور، تتم الإشارة إلى أنه رأى في السينما وسيلة مميزة لتوجيه النقد إلى مجتمع الاستعراض. وكان ديبور قد كرّس جهده الفكري، من أجل شجب آليات ما يسميه المجتمع الاستعراضي السائد. لكنه يرى، من جهته، أن الصورة بحد ذاتها لا يمكنها أن تثبت أي شيء، وهي لا يمكن أن تقنع سوى "المقنعين أصلا" بالفكرة التي تحملها. كما وجد ديبور ان السينما هي وسيلة لمتابعة ما كانت قد عرفته الحياة الحقيقية من تمرد وثورة وحب وصداقة. وفي جميع هذه الحالات يمكن للصورة السينمائية أن تحمل رسالة.
الكتاب: قاموس فكر السينما
تأليف: فيليب شوفالييه انطوان دوبيك
الناشر: المطبوعات الجامعية الفرنسية
باريس ـ 2012 الصفحات: 768 صفحة
القطع: المتوسط
Dictionnaire de la pensée du cinéma
Philippe Chevalier, Antoine de Beck
PUF- Paris- 2012
768 .P

