تعد إهانة الآخر، مقرونة بمحاولة إذلاله، مظهرا من مظاهر الحضارات المعاصرة في الغرب عامة. وهذا بالتحديد ما يحاول أستاذ الأدب في جامعة مدينة نيويورك، واين كويستنباوم، أن يبرهن عليه في كتابه الأخير، الذي يمزج فيه بين الحجج الفلسفية وأحداث سيرة حياته الخاصة والتحليل الفني. وذلك تحت عنوان: "الإهانة".

وتتمثل الفكرة الأساسية التي تشكل نوعا من "الخط الناظم" ضمن تحليلات الكتاب تتمثل، في تأكيد المؤلف حقيقة مؤداها أن الإهانة موجودة في عدد كبير من المقاطع القصيرة، المرصوفة بعضها إلى جانب بعض، والتي تبدو للوهلة الأولى دون أي رابط بينها، وهذا قبل أن تتكشّف في النهاية، على أنها تبدو على غرار حركات لاعب الشطرنج، التي تصب في تنفيذ خطة معينة.

وهذه المقاطع تقدم أمثلة وتعريفات ونماذج من الإهانة. وذلك على صعيد الحياة الراهنة والسياسة، وممارسات الشرطة والسينما والفن والتلفزيون. ويقابل القارئ في هذه وتلك، شخصيات عديدة، مثل: بيل كلنتون وريشارد نيكسون ومايكل جاكسون. وكذلك جملة أحداث، منها: سجن ابو غريب في العراق.

ولا يتردد المؤلف في القول إن الجميع مسؤولون عن ذلك. ويسأل: أي نصيب من المسؤولية نتحمله في شيوع مثل هذه الآلية؟ وهل أن الإهانة مفيدة، أو ربما ضرورية؟ ومن ما يقوله المؤلف: "أنا أحسّ بالإهانة مطبوعة على وجه من توجه إليه، ذلك من خلال النظر إليه". ويسأل: " هل يمكن أن تكون الكتابة هي المستوى الأعلى للإهانة "؟

يصل المؤلف، ضمن مثل هذا النهج من التحليل، إلى القول ان الإنسان قد يكون الكائن الوحيد الذي يعرف الإحساس بالإهانة، مثلما يمارس المعرفة والضحك والخجل. والملاحظ أنه أيضا يتحدث كثيرا عن نفسه، وعن أشكال الخجل التي تعتريه.

ويقول انه يبقى لدى كل إنسان شيء من زمن الطفولة، الذي لا تمكن فيه السيطرة على ما يقول.

ما يثير الانتباه هو أن مؤلف الكتاب، واين كويستنباوم، لا يقدم أي تعريف واضح وحاسم للإحساس بالإهانة، رغم أن هذا هو بالتحديد موضوع العمل كله. ولكنه يكتفي بالقول ان الإهانة تقتضي توفر ثلاثة عناصر: الضحية والمعتدي والشاهد. ويعكس أو يرصد المؤلف، مرة بعد أخرى، جميع هذه العناصر، عبر الذاكرة الشخصية أو التاريخية أو الثقافية، ويستخدم في بعض الحالات، ما يسميه القدرة العميقة للمخيلة.

إن هذا الكتاب ليس بحثا في مختلف أشكال الإهانة ودلالاتها فحسب، ولكنه أيضا، نوع من ممارسة الإهانة الذاتية. ولا يتردد المؤلف في القول، ضمن هذا السياق، إن شبكة الانترنت بمثابة طريق واسعة اوتوستراد- للإهانة. إذ إن هدفها الأساس، إهانة الوقت. وهذه الزاوية بالذات هي المظهر الأكثر مصدرا للإهانة في العصر الحديث، كما يشرح المؤلف ذلك، بتفوقها على إهانة الآخر وإهانة الذات. وكذلك يرى المؤلف ال"يوتيوب"، بمثابة بوتقة للإهانة.

ويخاطب المؤلف قارئيه: "إذا لم تريدوا قراءة كتابي، أو إذا رفضتم قراءته، أو إذا لم تحبّوا هذا الكتاب الذي أقدّمه لكم .. فإنني سأشعر بالخجل.. إننا نعيش جميعا على حافة الإحساس بالإهانة، وبخطر الطرد نحو مواقع متراجعة.

ويتمثل أحد أكبر الإنذارات التي يوجهها المؤلف، في ما يسميه "نظرة جيم كروو" كإشارة إلى قوانين جيم كروو التي طبّقتها بعض ولايات الجنوب الأميركية، منذ عام 1876 وحتى عام 1964، وميّزت فيها بين البشر على أساس اللون والعرق. ويقصد فيها المؤلف قدرة أي إنسان على النظر إلى إنسان آخر، دون الاعتراف فيه ككائن إنساني.

ويميّز المؤلف بين كيفية تلقي البشر للإهانات التي يتم توجيهها إليهم. والتمييز يقوم على الفرق بين الاختيار والقسر. وهذا ما يتم التعبير عنه في الكتاب، بالقول: "إن الإهانة الموجهة إلى فنان في إطار برنامج محبوب الأميركيين اميركان ايدول- التلفزيوني، مختلفة بعمق عن إهانة فلسطيني يعيش تحت ظل الاحتلال الإسرائيلي. الأول اختار قدره، أما الثاني فليس كذلك".

إن إرادة المؤلف في الربط بين أميركان ايدول والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ترمي أيضا،كما يشرح، إلى إظهار التمايز بين ما يريد البشر أن يروه، وما لا يريدون رؤيته، من إهانات.

إن الإهانات تتدفّق على أبناء المجتمعات المعاصرة.. هذا ما يؤكده المؤلف على مدى صفحات كتابه، مبينا أنها تطال المشاهير، كما تطال المغمورين. وبهذا المعنى تلعب دور المحرّك الذي يمكن أن يغيّر كثيرا من توجهات البشر.

بل ويمكن للإهانة أن تلعب دور المحرّك الذي يمكن أن يغيّر كثيرا من توجهات البشر. كما يمكن للإهانة أن تلعب دورا إيجابيا، مثل فرن تُدفع إليه النفس الإنسانية، لتخرج منه مهذبة ومصقولة. وهذا يعلّم البشر كيف يتحمّلون بعضهم بعضا.

 

 

 

 

 

 

الكتاب: الإهانة

تأليف: واين كويستنباوم

الناشر: بيكادور نيويورك - 2011

الصفحات: 192 صفحة

القطع: المتوسط

 

 

 

Humiliation

Wayne Koestenbaum

Picador - New York- 2011

192 .P