اوتو كاتز هو الاسم الحقيقي لجاسوس سوفييتي عرف سلسلة من الأسماء الأخرى، فهو تارة رودولف بريدا، وأخرى باسم اندرسه سيمون الذي احتفظ به حتى وفاته عام 1952. واوتو كاتز هو من مواليد عام 1895. ومن أصل نمساوي وتشيكي، كان قاوم النازية وعمل جاسوسا سوفييتيا، ومن ثم انقلب ضد ستالين.

ويمثل أوتو كانز، موضوع عمل الكاتب البريطاني جوناتان ميلز، الأخير، الذي يحمل عنوان: "اوتو كانز.. الخطير"، وهو يدرس فيه، الشخصيات المتعددة التي انتحلها وعرف فيها. إن المؤلف يعود الى الحديث عن الأحداث والمنعطفات الكبرى التي عرفتها سيرة حياة "بطله".

وهو يقوم بربطها مع السياق التاريخي لحقبته. كما يقوم بتحقيقاته على خلفية صعود ظاهرتين متوازيتين، كما يقول: الصعود النازي في ألمانيا خلال سنوات العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، صعود الشمولية السوفييتية في روسيا خلال الفترة نفسها. ويوضح المؤلف أن كاتز كان مناهضا بقوة للنظام النازي.

وقد كان شيوعيا معجبا بستالين رغم وقاع تصفيته للملايين. ولكن كاتز، مثل الكثيرين غيره من أنصار ستالين، عارض بشدة الاتفاق الألماني الجرماني- السوفييتي الذي جرى توقيعه بتاريخ 23 اغسطس عام 1939، والذي برره السوفييت بأنه، يرمي الى حماية روسيا من الخطر القادم من الغرب، إلا أن هتلر بدأ غزوه لبولندا، بعد تسعة أيام فقط من توقيع ذلك الاتفاق. واشتهر اوتو كاتز، بأنه كان رجلا وسيما، يحب الحياة. وينقل المؤلف عن أحد أصدقائه، أنه لم يكن يثير الكثير من الاهتمام خلال سنوات شبابه، بل لم يأخذه أحد على محمل الجد، فقد كان مأخوذا بتسلية نفسه.

ويذهب مؤلف الكتاب، في اتجاه آخر بل ويرى أن مثل تلك المقولة، تمثل خطأ فادحا. وأن كاتز كان مولعا بالسياسة والشأن العام، منذ سنوات شبابه الأولى. وزاد اهتمامه مع صعود هتلر. وتجري الإشارة إلى أنه، ومنذ عام 1907، أي عندما كان عمره 13 سنة، ظهرت ميوله نحو تأييد الأممية الاشتراكية.

وعندما قامت الحرب الأهلية في اسبانيا بين الجمهوريين وأنصار فرانكو، وظّف علاقاته العديدة التي كان قد أقامها في مختلف بلدان العالم، من خلال ممارسته مهنة الصحافي اليساري وككاتب. وذلك في الوقت الذي كان فيه في الواقع مبعوثا لأجهزة الاستخبارات السوفييتية، وكانت مهمته التغلغل إلى المواقع التي تسمح له جمع المعلومات.

ويشير المؤلف، إلى أن كاتز تلقّى كميات كبيرة من المال، تحت حجة دعم قضية الجمهوريين الاسبان، ولكن كانت تلك الأموال تذهب في واقع الأمر إلى خزينة جوزيف ستالين الذي حافظ كاتز على وفائه له، رغم معرفته بما كان يقترفه من جرائم وتصفية ضد خصومه. ويقول المؤلف إن التعبئة العقائدية التي قام بها الحزب الشيوعي- وعادة التآمر، كان لهما تأثير كبير على النزاهة الأخلاقية لدى كاتز.

ومن الصفات التي يؤكد عليها جوناتان ميلز في شخصية اوتو كاتز، هي أنه كان نشيطا جدا. ولديه نفوذ في عالم الأدب والسينما، وكان قائد اوركسترا في ميدان الجاسوسية، ولم يكتف بإصدار صحف تعمل لخدمة الشيوعية، بل أشرف على إنتاج كتب تصبّ في الغاية ذاتها، بالإضافة إلى تأكيدها على هزيمة الفاشية. وأيضا كاتز هو مؤسس رابطة المناهضين للنازية في هوليوود. كما كان ممن ساعدوا على تعزيز مواقع فيدل كاسترو في كوبا، قبل انتصار ثورته فيها.

ويرى المؤلف أن الوفاء السياسي لكاتز كان مشروعا ومفهوما، خاصة في بدايات نشاطه، حيث كان هو والشيوعية يعيشان حقبة من شبابهما. وما يتم تأكيده أيضا، أن كاتز لم يتطوّر كثيرا، ولكنه تعلّم، بحكم مهنته في الجاسوسية، كيف يعمل خلف العديد من الأسماء المستعارة، في صالات أميركا الشمالية والجنوبية وأوروبا.

ويكتب ميلز أن كاتز كان يتنقل في هوليوود كعميل سري مع لفافة تبغ في طرف فمه، على طريقة هومفري بوغارت، قبل أن يكون معروفا بذلك المظهر. والإشارة إلى أن كاتز كان يملك قدرة كبيرة بعينيه الزرقاوين، وما يضيفان عليه من هيئة إنسان حالم، للتأثير على الآخرين. والتأكيد أيضا أنه لم يكن جاسوسا بالمعنى الشائع للكلمة. بل كان بالأحرى بمثابة رسول ثقافي يجيد تنظيم الندوات. لكن ذلك لم يكن يمنعه من أن ينقل في بعض الأحيان، وثائق مسروقة، من مكان إلى آخر.

ويشرح المؤلف أن كاتز، ابن صناعي تشيكي ثري، وكان شديد الانجذاب إلى السينما، وإلى الحياة في برلين.

 

 

 

 

الكتاب: رجل متعدد المواهب

تأليف: دافيد لودج

الناشر: فنتاج لندن - 2011

الصفحات: 580 صفحة

القطع: المتوسط

 

 

 

 

A man of parts

David Lodge

Vintage - London- 2011

580 .P