يبدأ كتاب "أسرار النقد السينمائي.. أصول وكواليس"، لمؤلفه الناقد الفني الدكتور وليد سيف، فصول بحثه باستعراض مراحل وماهية تأسس اتجاهات عديدة للنقد ونظرياته عبر أجيال متعددة، هنا وهناك. ويشير إلى أن الفلاسفة وعلماء الاجتماع لعبوا دورا نوعيا فى تشكيل الاتجاهات النقدية. ويعني وليد سيف بتوضيح حقيقة مهمة، مفادها ان مصطلح النقد، وتحديدا النقد السينمائي منه، يظل محل بحث وتعريف.

ففي اللغة العربية، قديما ارتبط المصطلح بالمال، وقديما كان يعني: تمييز الدراهم الصحيحة وإخراج المزيف منها. والطريف أن علاقة ما تربط هذا المعنى، بالمعنى المعاصر للنقد وتوظيفه في الفنون المختلفة. وينتقل وليد سيف لتبيان كيف تطور المعنى فأصبح يمثل الاجتهاد نحو الوصول الى التقدير الصحيح لأي عمل فني، وكشف مدى قيمته في ذاته. ذلك وكأن النقد يعنى بإصدار الأحكام، وربما بالوصف والتفسير والحكم. وبذلك يصبح النقد علماً يجمع بين الذاتية والموضوعية، ذاتية خبرات ومعارف الناقد، ثم موضوعية التعبير عنها، بعيدا عن التعصب أو الأغراض الخاصة.

ويحول سيف الى الغوص في حيثيات قضية محورية في عملية النقد، راهنا، جوهرها المعنى الاصطلاحي للنقد، إذ إن النقد يجب أن يتضمن العمليات الأربع التالية: الوصف، التفسير، التقييم، التنظير حول فلسفة العمل الفني. ويكفل ضمان تحقق تلك العمليات، تحقيق المزيد من فهم العمل الفني وتزكية دوره الاجتماعي.

ولا يغفل المؤلف الاشارة الى ان النقد بمعناه الحديث، هو اقرب الى فن الحكم على نوعية الشيء الجمالي وقيمته، مع القدرة على وضعه في إطاره الفني والتاريخي والمعرفي. ففي دائرة المعارف البريطانية، في تفسير النقد الفني، نقرأ: "الناقد الفني هو الذي يسعى إلى تفسير وتوضيح العمل الفني.

وكشف أسراره واكتشاف مناطق جماله، كما يمكنه الوصول إلى ما به من ثغرات ونقاط ضعف، ليصل إلى حكمه الشامل.. وهو بذلك يسعى إلى تفسير الرموز، ويتتبع البناء التشكيلي للعمل وبكشف عن دلالاته".

ويوضح سيف، أن النقد يتأثر بأمور ربما تبدو بعيدة عن الفن، وهو ما يتناوله تحت عنوان "النقد والمجتمع"، مبينا أن النقد هو على علاقة بالفن والمجتمع أيضاً، وهناك عوامل اجتماعية تضيف إلى النقد الفني وتهيئ المناخ لتحقيق دوره الاجتماعي..

وذلك من خلال توافر الشروط التالية: تغلب النزعة الجماعية بالمجتمع، الإيمان بضرورة التعاون بين جميع أفراد المجتمع، الإيمان بحرية الرأي بشكل جاد، إعطاء الفرصة للرأي الآخر، الحصول على المعلومات بسهولة وبشفافية، احترام الفن وتقدير دوره فى المجتمعي، قيمة الأعمال الفنية ذاتها من حيث جديتها وازدهارها.

يؤكد المؤلف أنه تعدت مهمة النقد، حاليا، الحدود الضيقة القديمة، والتي لم تكن تتعدى الثقافة النقدية التي تشكلها المعرفة ببعض الخبرات لعدد محدود من الأعمال. فثورة الاتصالات التي ألغت الحدود والفواصل بين الشعوب، أضافت دورا حيويا للنقاد، يتمثل في ضرورة عملهم على مساعدة الناس بغرض تحسين معرفتهم.

ويرى سيف ان التسلح بالجانب الاكاديمي من قبل الناقد، من الأمور المتفق عليها، من اجل إعداد الناقد الفطن الواعي. وهو القادر على تحقيق الربط بين العناصر الثلاثة: الناقد والفنان والمتلقي. ويلفت هنا، إلى أنه على الناقد مهمة مساعدة الجمهور بإرشادات محددة، نحو ما يتميز به العمل الفني.

وبذلك يرفع من درجة تذوق الجمهور، الذي يمكن أن يكتسب مهارة التميز بين العمل الجيد والرديء. كما يلعب النقد والنقاد دورهم في التقريب بين الفنان وجمهوره، بالكشف عن مواطن الجمال في الأعماله الفنية.. وأيضا يمتد العمل الى تفسير الإنتاج الفني ودور الفنان في انجازه.

وأما مهمة النقد والناقد تجاه العمل الفني، فهي تحليل العمل وتفسيره ووضعه في المكانة التي يستحقها. ويحدد سيف وظيفة الناقد في عدد من النقاط: التعريف بجوانب التميز لكل عناصر العمل الفني، تطوير امكانات ومضامين الثقافة البصرية والسمعية لدى صغار الفنانين والجمهور معا، توسعة آفاق دائرة المعرفة عموما لدى الجمهور، زيادة وعي المشاهد أو المتلقي، تصنيف العمل الفني وتحديد المستوى الفني والتقني. ويشدد المؤلف على حقيقة ان النقد يلعب النقد دوره في شرح العمل الفني، ما يسهل الأمر على المتلقي. ويمكن ان يضيف الناقد من التفسيرات والشروح، ما يفسر العمل الفني في الأجزاء التي وردت سريعا أو رمزية.

ويلخص الكتاب صفات الناقد الجيد، ومنها:

أن يكون على درجة من الثقافة والمعرفة والخبرة بالفن والحياة، ان يكون موضوعيا ونزيها، صاحب أسلوب سهل وبسيط تفهمه العامة والخاصة، أن يكون ذا خبرة في مجال نقده، متابع لأحدث التطورات الفنية، الإلمام بالجديد والحديث محليا وعالميا. ويلفت سيف، ضمن مجال تحليل ما أطلق عليه بـ"أمراض المهنة"، إلى أن الناقد يحتمل أن يصاب بمشاعر التعالي وحالة من تورم الذات، ولا ينسى ان يؤكد هنا أن الناقد له سلطة مراقبة الفنان.

 

 

 

 

 

 

 

الكتاب: أسرار النقد السينمائي.. أصول وكواليس

تأليف: د. وليد سيف

الناشر: سلسلة «آفاق السينما» هيئة قصور الثقافة القاهرة 2012

الصفحات: 392 صفحة

القطع: الكبير