يندرج كتاب" تربية سلامة موسى"، لمؤلفه، الراحل سلامة موسى، في سياق كتب السيرة الذاتية، معتمدا على منهج تقسيم مراحل حياة الشخصية موضوع الكتاب (سلامة موسى)، إلى مراحل زمنية، أو وقائع احتوت فترة زمنية عاشها، ومن ثم التوقف مع كل فترة منها، على الجوانب التربوية فيها، وإبراز تأثيرها عليه تربويا. وعلق الأديب الراحل نجيب محفوظ، على هذا الكتاب، بعد قراءته، في طبعته الأولى عام1956م: "إن تربية سلامة موسى كانت نبعاً لا ينضب من الأفكار والتجارب والطموحات التي ملأت عقلي وفكري...".

وأشار موسى، في مقدمة الكتاب، إلى أن المرء يتربى في الأسرة وفي المدرسة وفي الشارع وفي مجال العمل، بل ومن الكتب والدوريات.. ويضيف: ".. كل هذا له أثر في التكوين والتربية، وكل من يكتب سيرته، إنما هو في الواقع يشرح للقارئ كيف ربى نفسه وكيف ربته الحوادث".

ويبين الكتاب كيف كانت مرحلة الطفولة والصبا، فرصة سلامة موسى لرصد مقارنة بين قرنين، حيث ولد في أواخر القرن19 الميلادي، ونضج شابا ورجلا في القرن العشرين. وقد رصد بعض المظاهر الاجتماعية التي تربى عليها، وشرح كيف تبدل، وذلك مثل الواقعة التي ضربته خلالها أخته الأكبر، لأنه ناداها باسمها في الشارع، وهو أمر معاب.. كما وصف كيف كانت الحمير هي وسيلة المواصلات من بيته إلى اي مكان.. وكيف كان الناس يحملون المشاعل ليلا لعدم وجود إضاءة في الشوارع.ثم توقف المؤلف لوصف الفلاحين الفقراء الذين يجرون خلف الحمار الذي يعتليه، حتى يصل نهاية مشواره..

وهو ما جعله ينتبه إلى أن الفقر والجهل هما داء مجتمع تلك الفترة، ولعل كل من قرأ للكاتب، يدرك كيف تبنى القضايا الاجتماعية بحماس شديد، وربما بسبب تلك النشأة.وشرح موسى تفاصيل المرحلة خلال الفترة من 1903 إلى 1907م، وهي الفترة التي حصل فيها الكاتب على الشهادة الوسطى، والتي التحق بعدها بالمدرسة الثانوية. وكانت فرصته للحديث عن التعليم تحت هيمنة الاحتلال الإنجليزي، مبينا أنه كان هناك في مصر، ثلاث مدارس ثانوية فقط! كما شاء موسى أن يبرز الجوانب التربوية لتلك الفترة، التي ارتبطت بانفتاح الوعي الوطني لمحاربة المستعمر.

والذي جعل من قلة المتاح من التعليم والمقررات التعليمية، وسيلة للسيطرة على البلاد.وتحت عنوان" علمت نفسي"، تحدث المؤلف عن مرحلة حياته في العام 1909م، إذ سافر إلى فرنسا وقضى فيها عامان تعلم خلالها اللغة الفرنسية، ولكنه خشي من فقدان اللغة الإنجليزية التي تعلمها في مصر، فقرر السفر إلى لندن.

وأمضى في لندن، بدلا من السنة التي قررها، أربع سنوات قضاها في دراسات متنوعة، ومنها: دراسة الحقوق التي لم يستكملها، ودراسة كل ما يقع تحت يديه من معارف! وخلال تلك الفترة انتهى إلى قرار هو ما شكله فكريا وجعل منه من التنويريين، في أوائل القرن العشرين. إذ قرر أن يكره الإنجليز ولا يكف عن ذلك إلا بعد أن تتحرر البلاد منهم، ثم التزم بمبدأ ومشروع محاربة الجهل والفقر في بلده.

وربما يدهش المرء من مدى تنوع ما قام سلامة موسى، في دراسته، وذلك فقط من أجل البحث عن المعرفة، وليس للحصول على شهادة يعمل بها. ومن تلك الدراسات: المصرلوجية- أو دراسة مصر القديمة، علوم البيولوجي والجيولوجيا والاقتصاد. وغيرها. وذلك فضلا عن قراءة الكثير من أعمال أهم أدباء أوروبا فى تلك الفترة.

كما تعرف على فن المسرح، ووجده متطورا كثيرا عن مسرح سلامة حجازي الذي يعرفه. وهو بذلك أفاض كثيرا حول تربيته الأدبية.. ثم شرح أثر كل أديب منهم في نفسه.ثم شرح موسى في كتابه، تحت عنوان "تربيتي العلمية"، كيف نهل من العلوم المختلفة، وخصوصا مع تأثير داروين وكتاباته عليه.

وكانت فترة الحرب العالمية الأولى قاسية عليه، ذلك ليس بسبب الأثر المباشر للحرب على المدن والقرى المصرية، بل بفعل الاضطهاد الذي مارسه الإنجليز. إذ أغلقوا مجلته التي أنشأها، فعمل مع الأديبة مي زيادة فى مجلتها، فوجد التدخل الإنجليزي في كل ما ينشر.

ولما عاد إلى قريته، حيث يملك وإخوته حوالي مائة فدان، وجد كيف كان يتم خطف الفلاح المصري من الأرض الزراعية وإرساله إلى مركز تجمع جنود الحلفاء في فلسطين. وكان من يخطف، غالبا لا يعود ولا يعرفون عنه خبرا!

ويبدو أن ما رصده المؤلف حول ما تربى عليه، وحول قناعاته الفكرية، التي تشكلت في مجملها على توجه عام مارسه من خلال عمله الصحافي وفي نشر كتبه التي باتت ذات صيت، ولها القارئ المفضل. تمثلت مجمل كتاباته في حقول: معالجة المشاكل الاجتماعية، الاهتمام بقضيتي التعليم والفقر بشكل خاص. كما تميزت كتابات سلامة موسى أيضاً، بتلك الرؤى العلمية وموضوعات تبسيط العلوم والتي كانت تبدو في تلك الفترة من الطلاسم، مثل : نظرية النسبية، نظرية التطور. وهذا بالتوازي مع قضية محورية، وهي: مواجهة المحتل الإنجليزي.

 

 

 

 

 

الكتاب: تربية سلامة موسى

تأليف: سلامة موسى

الناشر: الهيئة المصرية للكتاب 2012

الصفحات: 304 صفحات

القطع: المتوسط