حصلت في ايرلندا الشمالية، في تاريخ 30 يناير، من عام 1972، مذبحة ذهب ضحيتها 26 شخصا، من بين المتظاهرين والمدافعين السلميين عن الحقوق المدنية. وحصل ذلك برصاص الجنود البريطانيين، وكان ذلك في يوم أحد، وأطلقوا عليه تسمية "الأحد الدامي". وفي عام 1998 قرر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، تشكيل لجنة تحقيق برئاسة اللورد سافيل، عرفت بـ"لجنة سافيل".
وتشكل تلك المذبحة، ومعها تقرير اللجنة، موضوع كتاب الصحافي البريطاني دوغلاس موراي، والذي يحمل عنوان "الأحد الدامي"، إذ يبحث في "الحقائق والأكاذيب وتحقيق لجنة سافيل".يعود المؤلف بداية، إلى استعراض تلك الأحداث الدامية التي عرفها يوم الأحد، في 30 يناير من عام 1972.
ويشير إلى أنه كان من بين الضحايا الذين قتلوا مباشرة، سبعة مراهقين. وأن بعض الجرحى، سحقته سيارات عسكرية، وتلقى آخرون الرصاص في ظهورهم. وأما مظاهرات ذلك اليوم، فكانت في إطار مسيرة سلمية نظمتها "جمعية ايرلندة الشمالية للحقوق المدنية".
كما ان الجنود البريطانيين الذين أطلقوا النار كانوا من المظليين. ويقوم المؤلف في الصفحات الأولى من الكتاب، بالعودة إلى التذكير ببعض المفاصل الأساسية في المسألة الإيرلندية. ويحدد القول انه في نهاية سنوات الستينيات من القرن الماضي، طالبت منظمات كاثوليكية، مثل جمعية ايرلندة الشمالية للحقوق المدنية، بالمساواة في الحقوق بين الكاثوليك الأقلية في ايرلندا الشمالية- والبروتستانت الذين يشكلون الأكثرية.
وسرعان ما انقلب الغضب إلى أحداث عنف، انفجرت في عام 1969، عندما أراد متظاهرون كاثوليك، منع رجال الشرطة الإيرلندية من الدخول إلى أحيائهم. وبعد فشل تلك الشرطة في السيطرة على الوضع، جرى طلب انتشار قوات من الجيش البريطاني. وفي مثل ذلك السياق حدثت مذبحة الأحد الدامي.
وفي سياق تعرّض المؤلف لتشكيل لجنة سافيل، يشير إلى الحملة التي قام بها أهالي الضحايا لتشكيل لجنة تحقيق ثانية، تبيّن الحقائق التي لم تكشف عنها -برأيهم- اللجنة الأولى التي كان قد تمّ تشكيلها بعد الاضطرابات، كما شاعت تسمية تلك الأحداث، ذلك من أجل وضع تقرير نهائي عن أحداث الأحد الدامي، في 30 يناير 1972. وجرى نشر التقرير بتاريخ 15 يونيو من عام 2010. وتضمن التأكيد على أن الجنود البريطانيين كانوا البادئين بإطلاق النار، دون مبرر.
وكان رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون قد صرح في مجلس العموم البريطاني، بمناسبة نشر تقرير لجنة سافيل، ان ما فعله المظليون البريطانيون آنذاك، لم يكن مبررا، ولا يمكن تبريره. واعترف أنهم، أي الجنود، قاموا بإطلاق النار على متظاهرين غير مسلّحين، عندما كانوا يهربون للنجاة بحياتهم. ولم يتردد كاميرون في تقديم الاعتذار، باسم الحكومة البريطانية، إلى أهالي الضحايا.
ويشير المؤلف إلى أن تقرير لجنة سافيل، حول أحداث الأحد الدامي، جاء في عشرة مجلدات، وبواقع 5000 صفحة. كما استغرقت عملية كتابته فترة 5 سنوات، بينما استمرّت التحقيقات بشأنه، مدة 12 سنة، بما في ذلك سنوات تحريره. وبلغت كلفة عمل اللجنة 200
مليون جنيه استرليني تحمّلها دافعو الضرائب البريطانيين، وكان الآلاف قد ساهموا بتقديم شهادات مكتوبة، قدّموها للمحققين أو أدلوا بها لهم شفهيا.ويشير المؤلف إلى أن إعداد الصيغة النهائية للتقرير، تمت بعد 38 سنة من الأحداث الدامية التي يعنى بها. ويؤكد بصراحة تامة، تحفظاته على هذا التقرير، وأبعد منها في عدم فائدته، خاصة في ما يتعلق بالكشف عن الحقيقة.
وقناعته أنه لا يمكن الكشف عن الحقيقة كاملة، بعد مضي مثل هذه الفترة الطويلة، عقب وقوع الأحداث. وأن البشر يتذكرون أشياء وينسون أخرى. وينبّه المؤلف إلى حقيقة مفادها، أنه من الصعب على أي إنسان، وحتى على الصحافيين المحترفين، أن يقوموا بقراءة 5000 صفحة، إذ يكتفون، وفي أفضل الحالات، بالتعرف على ملخص لها.
ويرى المؤلف، بالاعتماد على ما جاء في تقرير لجنة سافيل، أن غالبية البريطانيين، وكذا بعض الإيرلنديين، يميلون نحو طمس تلك الأحداث. ويؤكد أن هذا التقرير الذي يأتي بعد حوالي أربعة عقود من الزمن. قد بيّن، إلى هذه الدرجة أو تلك: "من فعل ماذا؟"، ولكنه لم يطلعنا بدقة على ما كان قد وصفته الشهادات بالتفصيل.
ويسوق المؤلف بعض الحالات، مثل حالة المدعو بارني مككيغان الذي قتلته رصاصة، عندما كان يواسي رجلا يحتضر. وكان يرجو المارة أن لا يتركوا الجريح يموت وحيدا.
ويحتوي كل فصل من فصول الكتاب، على شرح مجموعة من الأحداث التي تخص فردا أو مجموعة، من الذين شاركوا في أحداث يناير 1972 من مختلف المواقع. ويصل المؤلف فيه، إلى نتيجة مفادها أنه من المستحيل تقريبا الوصول إلى الحقيقة بطريقة دقيقة. ويقدّم المؤلف في هذا السياق العديد من الأمثلة على الطريقة التي يؤثر فيها الزمن على الذاكرة. ويحاول عبر الشهادات التي يناقشها، أن يقدم البراهين على أن العديد من الشهود "كذبوا قليلا" في روايتهم للأحداث.
وفي المحصلة النهائية، يؤكد المؤلف أن قصة الأحد الدامي، لم تتم كتابتها بعد، رغم العمل الضخم الذي قامت به لجنة سافيل، مبينا انه، ان تأتي العدالة متأخرة، فهو خير من أن لا تأتي أبدا.
الكتاب: الأحد الدامي
تأليف: دوغلاس موراي
الناشر: بيتباك لندن 2011
الصفحات: 320 صفحة
القطع: المتوسط
Bloody sunday
Douglas Murray
Biteback - London- 2011
320 .p

