انطلقت في عام 1517، ثماني سفن برتغالية من مالاقا، قاصدة الصين. واقتربت من الشواطئ الصينية في شهر آب من السنة نفسها. وكان الهدف المعلن شراء التوابل لملك البرتغال، ولكن الهدف الأبعد لم يكن أقل من الإقامة، بل والسيطرة - حتى ولو جزئيا- على الصين، وهو ما كان يؤمّن للملك البرتغالي، احتكارا كاملا لتجارة التوابل المربحة، الأمر الذي كان يوفّر تثبيت أركان مملكته.

كان المشروع البرتغالي في جوهره، ذا طابع استعماري. وقام على أساس خطة، تصوّر واضعوها إمكانية اللجوء إلى استخدام الأسلحة النارية. وبالتوازي، القدرة على إثارة أجواء من الرعب، والمراهنة على إمكانية قيام وثورة جماهير الفلاحين الصينيين، الذين كانوا يتحصنون داخل إمبراطورية كتيمة، عرفت كيف تدافع عن نفسها.

وشنّ المحاربون الاسبان، بالتوازي مع المشروع البرتغالي حيال الصين، حربا ضد المكسيك التي لم تكن تعرف الكثير عن الأجانب. وهكذا لم يجد الغزاة مقاومة كبيرة، بل على العكس لم يتردد بعض الأعيان المكسيكيين في التحالف معهم، من أجل كسر شوكة منافسيهم من أبناء بلدهم. وبالمحصلة، استطاع جنود الملك الاسباني (الكاثوليكي)، تقويض أركان إمبراطورية مكتوزيما في المكسيك.

المحاولة التي قام بها البرتغاليون لاحتلال الصين، وعملية استيطان جنود الملك الاسباني في المكسيك، أمران شكّلا ما يسميه المؤرخ الفرنسي، سيرج غروزنسكي، الأستاذ في الجامعات الفرنسية والأميركية، بـ"العولمة الأولى"، في كتابه الذي يحمل عنوان: "النسر والتنين"، للدلالة على كل من المكسيك والصين.

ويكتب المؤلف : "في القرن السادس عشر، اندرج التاريخ الإنساني على مسرح ذي أبعاد عالمية". وبهذا المعنى نجده يسعى، أي المؤلف، إلى تقديم رواية أخرى، غير تلك الشائعة والمقبولة عن التوسع الأوروبي. والتأكيد على أن ذلك التوسعي الأوروبي، عرف خلال فترة قصيرة من الزمن، مشروعين استعماريين. الأول هو احتلال الاسبان للمكسيك. والثاني يتمثل في محاولة احتلال الصين من قبل البرتغاليين.

ويبين المؤلف انه استطاع الثور الاسباني، قهر النسر المكسيكي. ولكن الديك البرتغالي لم يستطع دحر التنين الصيني. وما يأسف عليه المؤلف هو أن مؤرخي تلك الحقبة، لم يدونوا أحداثها الكبرى. إذ يبدو أن المشروع البرتغالي لاحتلال الصين، لا وجود له.

ويشرح المؤلف على مدى العديد من الصفحات، واقع التشابه الكبير بين المشروعين الاسباني والبرتغالي، رغم تباعد المسافة بين مسرحيهما. ويبيّن كيف أنه في الفترة نفسها تبنّى الغزاة خطة التقدم التدريجي في الأراضي التي يريدون السيطرة عليها. وكان هناك عالمان، ويجهل كل منهما الآخر: الصيني والمكسيكي. إذ عرفا في بداية القرن السادس عشر، تهديدا خارجيا كان مصدره بلدان أوروبيان، هما: اسبانيا والبرتغال.

ويؤكد المؤلف على فرق جوهري في التعامل الذي تبنّته القوتان الغازيتان. ذلك أن الاسبان تصرّفوا بشكل دبلوماسي، وأقاموا مع بعض أعيان المكسيك تحالفات سمحت لهم بالبقاء ومدّ سلطتهم ذات الطابع الاستعماري على المنطقة التي عُرفت بـ"اسبانيا الجديدة". وهكذا شرع الاسبان في فتح أبواب قارة كاملة أمام الأوروبيين في الغرب، بينما انغلقت الأبواب في الشرق.

ويميّز المؤلف بين نظرة الصينيين والمكسيكيين للقوتين الغازيتين. فالصينيون كانوا يرون في البرتغاليين برابرة يفتقرون إلى الحضارة والثقافة، كبقية البرابرة الذين كانوا يهددون الصين من الشمال. وبالتالي صمموا على إغلاق الأبواب أمامهم. وأما المكسيكيون فقد مثّل الأسبان بالنسبة لهم، بعدا حضاريا. وبالتالي، فتحوا أمامهم، الكثير من الأبواب.

 

 

الكتاب: النسر والتنين، أوروبا والعولمة في القرن السادس عشر

تأليف: سيرج غروزنسكي

الناشر: فايار - باريس- 2012

الصفحات: 538 صفحة

القطع : المتوسط

 

Lصaigle et le dragon

Serge Gruzinski

Fayard - Paris- 2012

538 .p