اختفت كلمة العرق ـ بمعنى العنصر الإنساني المتميّز ـ بصورة شبه كاملة من الأدبيات الغربية، ومن الخطاب السائد في الغرب. إلا انه لا يزال تعبير العنصرية، شائعا في هذه الأدبيات، وذاك الخطاب. لكن، ومهما قيل، فلا شك أن فكرة العرق لم تختف أبدا. ففي كل مرة يتم فيها الدلالة على مجموعة معينة، أو تقوم هي بالتعبير عن نفسها، بوساطة صفات إثنية وثقافية، يغدو من الممكن استخدام تعبير العرق، والأمر نفسه عندما تلجأ تلك المجموعة المعنية، إلى صياغة أساطير تؤسس للقول بوجود تاريخ متصل لها، منذ القديم وحتى اليوم.
"فكرة العرق".. عنوان الكتاب الذي يقدّمه الأستاذان الجامعيان الفرنسيان فريديريك مونايرون وجيرار سيراي، الذي يشرحان فيه المسار التاريخي لكلمة عرق، وما حملته من دلالات، منذ العصور القديمة، في أوروبا وآسيا. وهذا مع الإشارة إلى أن ظهور الكلمة في القواميس اللغوية الأوروبية، يعود إلى حوالي القرن الخامس عشر .
ولكن النزعة العنصرية، كمفهوم إيديولوجي وسياسي، عرفت أوج ازدهارها في أوروبا، خلال فترة نهاية القرن التاسع عشر، والنصف الأول من القرن العشرين. ومن المعروف أن مفهوم العرق الآري، وجد مكانه في الثقافة الأوروبية، وبقوة، منذ أواخر القرن التاسع عشر. كما أنه يجد مرجعيته في الفكرة القائلة، إن الشعوب الأولى التي تحدثت اللغات الهندية ــ الأوروبية، منذ القديم وحتى الحقبة الحديثة، تشكل عرقا متمايزا عن غيره من الأعراق.
وهذا طبعا، مع انتشار قناعة تقول بتفوّق هذا العرق الآري، وذلك ما كان يؤمن به ادولف هتلر، وهو ما كان له نتائجه المعروفة، على أوروبا وعلى العالم بأسره. وتتم الإشارة في هذا السياق، إلى أنه، واعتبارا من نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبح تعبير العرق، ممنوعا من الاستخدام والتداول، عمليا. ولكن جرى استبداله بتعبيرات أخرى، تنتمي إلى نوع من: "العنصرية الثقافية" أو "العنصرية الرمزية"، وتبتعد إلى أقصى حد ممكن، عن العنصرية البيولوجية التي سادت سابقا، وغدت توازي بقيمتها، فكرة المعيار. وينقل المؤلف في هذا الإطار، عن عالم اجتماع الأميركي، ذي أصل إفريقي، قوله في عام 1904، ما مفاده:
"إن مشكلة القرن العشرين هي مشكلة الخط الفاصل بين الألوان"، وهو يقصد بالتحديد الأعراق البشرية.وإذا كان مؤلفا الكتاب يركزان في تحليلاتهما لـ"فكرة العرق"، عبر تجلياتها وأشكال تجسّدها، على صعيد القارة الأوروبية، فإنهما يدرسان أيضا مسارها المكاني ــ الزماني. وهكذا تتم العودة إلى الحقب القديمة التي سبقت كثيرا تشكّل الأمم. ويشرح المؤلفان حقيقة مهمة، مفادها أن فكرة العرق، ليس لها أي أساس في الواقع، ولا تقوم على أية معطيات ثابتة وجامعة. وبهذا المعنى هي فكرة خيالية.
ولكن هذا لا يمنع ــ برأيهما، واقع أنها أصبحت في سياق تاريخي غير بعيد، كأداة سياسية بامتياز. وهكذا كان جول فيري، رئيس وزراء فرنسا في بدايات الجمهورية الثالثة، قال في حديثه، أمام البرلمان في عام 1885، ما مفاده: "إن الأعراق العليا تتمتع ببعض الحقوق، ذلك أنها تتحمل بالمقابل بعض الواجبات. وتقع على عاتقها مسؤولية تمدين الأعراق الدنيا".
ومن الحجج التي يعتمدها المؤلفان، للتدليل على خيالية فكرة العرق، التأكيد على أن دلالتها اختلفت من فترة إلى أخرى، ومن حضارة إلى أخرى. وهكذا مثلا، لم يكن اليونانيون القدماء، يستخدمون أبدا مفهوم العرق، بل، وبالأحرى: البربري، وحيث كان يمكن للبربري أن يكون اليوناني أو المرأة أو الحيوان، وذلك تبعا للمنظور الذي يتم استخدام التعبير فيه. ويوضح المؤلفان انه كان قد ظهر استخدام تعبير العرق، في نهايات العصور الوسطى، بهدف الدلالة تحديدا، على الأسرة التي يتحدد منها الشخص المعني أو شجرة العائلة.
ولكن ابتداء من القرن الثامن عشر، أصبح المؤرخون يرون مثلا في تاريخ فرنسا، صراعا بين الفرنجة والغاليين (سكان بلاد الغال). فالفرنجة كانوا يمثلون آنذاك "العرق النبيل"، والغاليون: "العرق الشعبي". ويختتم المؤلفان تحليلاتهما، بالتأكيد على أن فكرة العرق، لا تزال تداعب مخيلة كُثر، حتى ولو جرى استبدالها في الخطاب السائد، بمقولات الثقافة أو الهوية أو الانتماء الإثني، أو غير ذلك من تعابير.
الكتاب: فكرة العرق تاريخ خيالي
تأليف: فريديريك مونايرون جيرار سيراي
الناشر: بيرغ باريس 2012
الصفحات: 184 صفحة
القطع: المتوسط
صidée de race
Frédéric Monneyron, Gérard Siray
Berg International Paris- 2012
184 .p
